لتفسير الكثير من المؤشرات السلوكية الدالة علي اختلال السلوك الأخلاقي والوظيفي في المجتمع بصفة عامة ولدي شريحة الشباب بصفة خاصة أعد د. محمود عكاشة عميد كلية التربية بالأسكندرية فرع دمنهور السابق والأستاذ ورئيس قسم علم النفس بالكلية حاليا دراسة بعنوان ¢أخلاقيات العمل بين ما يجب أن يكون وما هو كائن¢ . يقول د. محمود عكاشة في بداية دراسته: نؤمن بيقين بصحة المقولة التي مؤداها: ¢إذا أردت أن تري مستقبل أمة انظر إلي حال شبابها¢ فالشباب فيما نردد جميعا نصف الحاضر وكل المستقبل، ولا ينتظر مستقبل لأمة إذا أصيب أغلي ما تملك في ضميرهم. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا مع الكثير من المخلصين الذين لا يبغونها عوجا أن مجتمعنا مصاب في الوقت الراهن بما يصح تسميته ¢وعكه في الضمير وللتدليل علي صحة هذه المقولة علينا فقط أن ننظر حولنا وأن نقرأ بتأمل وبموضوعية حالنا بصفة عامة وحال شبابنا بصفة خاصة. ولسنا مضطرين في سياقنا هذا بالاستغراق في تفاصيل مملة للمحددات أو للعوامل المسئولة عن هذه الوعكة، إذ يمكن اختزالها هكذا بالجملة في مقولتين أساسيتين هما:
الأسرة العربية استقالت من التربية الأخلاقية. التربية الأخلاقية فريضة غائبة في كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية خاصة المؤسسة التعليمية والمؤسسة الإعلامية. ويعني بالأخلاق فيما يري المفكر الإسلامي أحمد عبد الرحمن العطاء بلا مقابل، وينقسم السلوك الأخلاقي الإنساني عامة حسب دلالته الوظيفية إلي ثلاث درجات: الدرجة الأولي : هي السلوك الأخلاقي الذي يعطي الآخرين دون أن ينتظر منهم أجرا ولا ثوابا والقرآن الكريم يقول في هذا (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) وذروة السلوك الأخلاقي يعبر عنها قول الله تعالي في حق الأنصار رضي الله عنهم (ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).
الدرجة التالية : هي الأخذ والعطاء مثل التجارة والإيجار والتعاون فالفرد يعطي ويأخذ، ولا فضل له علي أخيه في شئ وهذا السلوك مشروع في الإسلام ويتحلي بمسحة أخلاقية في حالة التعاون لأن الفرد يعطي ولا يأخذ مباشرة وإنما ينتظر الأخذ في الوقت المناسب، أم في التجارة فتبدو القسوة في العطاء بشرط المقابل الفوري والربح من وراء ذلك دون نظر لحالة المشتري.
أما الدرجة الثالثة : فتعني الأخذ دون عطاء مثال ذلك السرقة والنشل والسلب والنهب وهي الدرجة السفلي من السلوك الإنساني وهي غ ير مشروعة قانونا وشرعا وعلي هذا السلوك عقوبات متدرجة حسب تدرج الجزم فيها. وتحدد الدراسة السلوك الأخلاقي حسب المحددات المعرفية الكامنة وراءه أو حسب ما يعرف بالمعرفة الأخلاقية في ثلاثة مجالات رئيسية هي : الأخلاق الأسمي ، الأخلاق المعيارية، والأخلاق التطبيقية. تهتم الأخلاق الأسمي بمصادر المبادئ الأخلاقية ومعناها مثل القرآن الكريم والحقائق المطلقة ودور العقل في الأحكام الأخلاقية، وتهتم الأخلاق المعيارية بتحديد معايير أو مستويات أخلاقية تشير إلي الصواب والخطأ وأخيرا فإن الأخلاق التطبيقية تهتم بفحص مدي أخلاقية بعض القضايا الجدلية مثل الحرب الذرية وتشغيل الأطفال وعقابهم بدنيا، وغير ذلك من القضايا. وتهتم الأخلاق المعيارية علي نحو خاص بالمعايير التي يحكم بها علي صواب أو خطأ السلوك فهي تمثل بأحد المعاني بحثا عن السلوك القويم والافتراض الرئيسي هنا هو أن هناك معيارا واحدا أقصي للسلوك الأخلاقي سواء تمثل في قاعدة واحدة أو مجموعة مبادئ. وتندرج تحت الأخلاق المعيارية عدة نظريات لكل رؤيتها الخاصة في ماهية أو كيفية الحكم علي أخلاقية السلوك. وأكثر هذه النظريات شهرة هي نظرية الفضائل والتي تري أن الأخلاق مثل يجب علي الإنسان النضال من أجل تجسيدها في حياته للاحتفاظ بكينونته كبشر. فالمبدأ هنا هو أن الأخلاقي من السلوك هو الذي يطور الفضائل الخلقية في أنفسنا ومجتمعنا.
وتربط نظرية الواجبات أخلاقية السلوك بمدي تمثله للواجبات المعروفة تجاه الله سبحانه وتعالي والنفس والآخرين. وأخيرا فإن النظرية الغائبة تقوم علي أن أخلاقية السلوك تتحدد بمترتباته والمبدأ هنا هو أن أي سلوك يعتبر أخلاقيا إذا تفوقت مترتباته الإيجابية علي نظيرتها السلبية دون أذي للآخرين. وترصد الدراسة نظم أطر رصد مؤشرات السلوك الأخلاقي المختل وظيفيا في المجتمع بصفة عامة علي النحو التالي: اللجوء التام إلي حيلة التبرير المرتكزة علي الجبرية والافتقاد إلي الحرية. إن الكائن الإنساني ما كان كائنا أخلاقيا إلا لكونه حرا، فالأخلاق فضلا عن طابعها الإلزامي هي أيضا التزام نابع عن قدرة علي الامتثال للقيمة الخلقية أو خرقها، ولا يمكن أن نحكم علي سلوك ما بكونه امتثالا للقيمة أو خرقا لها إلا إذا كان صادرا عن ذات مختارة لا ملزمة و،لهذا فالسلوك الحيواني لا يندرج ضمن السلوك الأخلاقي لأنه صادر عن فعل غريزي ونخشي أن يتحول اندفاع شبابنا للسلوك الأخلاقي المختل وظيفيا اندفاعا آليا غريزيا وفقا لهذا المعني. وبالتالي فإذا سلبت إرادة الأختيار من الإنسان قر في بنائه النفسي عبوديته للظرف والسياق ويلاحظ من قراءة سلوكيات الشباب والاستماع إلي أحاديثهم تأصيلا تاما في واقع الأمر لهذا المؤشر بالغ الخطورة، مما يقتضي انتباه مؤسسات البحث العلمي لهذا الأمر وتأسيس مشروع بحثي قومي يتصدي جديا لوصف وتحليل وتفسير والتصدي لهذا الواقع البغيض جملة وتفصيلا
أضف هذا الخبر إلى موقعك:
إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!