|

ملف وقضيةالمرأة في الإسلام › تعدد الزوجات

إذا كنا سنناقش .. بعض أحكام القرآن الكريم بالنسبة للمرأة .. فإننا لا نناقشها إلا لتوضيح مفاهيمها .. ولكننا لا نناقش الحكم .. لأن الحكم صادر من الله سبحانه، ومادام صادراً من الله جل جلاله فإن غاية مهمة العقل في هذه الحالة، هو التأكد أن الحكم من الله سبحانه. يقول الحق:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ .. "24"} (سورة الأنفال)]
إذا وصلنا إلى هذه النقطة .. نكون قد وصلنا إلى نهاية مهمة العقل، فيصبح بعد ذلك التسليم والطاعة، والعيب فيمن يريد مناقشة الأديان أن يأتي بجزئيات الأوامر الدينية ويناقشها .. وأحكام الله لا تناقش كجزئية .. ولكنها تناقش من القمة أولا .. أهي من الله أم لا؟ .. أبلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا، أم لم يبلغها؟
فإذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام قد أبلغها لنا، وهو صلى الله عليه وسلم صادق البلاغ .. تكون المناقشة قد انتهت. أما بحث جزئيات الدين لنقبل بعضه ونرفض بعضه .. فهذا مرفوض تماماً .. والله تبارك وتعالى يقول:
[{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "85"} (سورة البقرة)]
ولهذا لابد أن نتنبه إلى أن قضايا الدين لا تناقش كجزئيات .. ليؤخذ بعضها ويترك البعض الآخر .. ولكنها تناقش ككل .. والعجيب أنك تجد من يكفر بالله والعياذ بالله يأتي ليناقشك في قضايا الدين، وهذا منطق مرفوض، لأنك مادمت لا تؤمن، فماذا تناقش؟. إذا كنت لا تؤمن بالقمة التي شرعت وقالت .. إذن: يكون نقاشك نوعاً من العبث المرفوض، لأنك مادمت لا تؤمن فاصنع ما شئت، فليس بعد الكفر ذنب.
إن الناس في حياتهم الدنيوية يطبقون منطقاً .. فإذا جئت إلى قضايا الدين .. فإنهم يرفضون تطبيق نفس المنطق! وعلى سبيل المثال إذا مرض الإنسان فما غايته؟ غاية مهمة عقله أن يسأل ويبحث عن الطبيب الذي يثق فيه. فإذا توصل بعقله إلى هذا واختار طبيباً يمتاز بالعلم والخبرة يذهب إليه. حينئذ تستقر مهمة العقل.
يأتي الطبيب فيكشف عليه ثم يحدد له نظام العلاج .. فيأخذه وينفذه دون مناقشة، وإذا كان جالساً مع أصدقائه، وسأله أحدهم: لماذا لا تأكل كذا؟ أو لماذا لا تدخن مثلا؟ يقول هذه أوامر الطبيب، فيسكت الجميع .. لماذا؟ لأن الطبيب في مجاله أكثر علماً منه وخبرة، وماداموا قد وثقوا فيه، وفي علمه وخبرته .. ينفذون ما يقوله دون مناقشة.
والإنسان يسلم قيادته إلى من هو أكثر منه علماً في أي مجال من المجالات، مادام قد وثق من ذلك، وأدرى الناس بالصنعة هو صانعها .. وهو يعرف ما يصلحها وما يفسدها.
إنني مثلاً عندما يفسد عندي جهاز تليفزيون، لا ألجأ إلى نجار ليصلحه لي، ولكن ألجأ إلى صانع الشيء .. أو من تدرب على إصلاحه ليقوم بالإصلاح.
إن منطقنا في أمورنا الدنيوية هو أن نبحث في أي مجال عمن نثق في عمله ليقول لنا ما نفعل من أمور نحن لا نعلم عنها شيئاً أو علمنا قليل لا يمكننا من علاج المشكلة. ولكن في أمور الدين نجد بعض الناس يرفضون هذا المنطق. فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا. وعلمه يفوق علمنا، لأنه علم بلا نهاية .. صادر من عليم حكيم، والله يقول في كتابه العزيز:
[{وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا .. "89"} (سورة الأعراف)]
فإذا كنا نسلم زمامنا لمن هو أعلم منا من البشر، فكيف لا نسلم هذا الزمام لمن هو بكل شيء عليم سبحانه وتعالى؟
وليعلم الكل أن الإسلام لم يصادر المناقشة؛ لأنه يخاطب عقولاً، وإنما المناقشة إن كانت للاستفادة والإقناع فهي فرض عين، وإن كانت للجدل العقيم والتبرير الذميم فهي نوع من العبث.

|دعائم الاستقرار في المجتمع الإسلامي||
ولكن بعض الناس يحاول أن يناقش الدين كجزئيات .. بدلاً من أن يتقبله عن الله تبارك وتعالى ويرد الله جل جلاله في كتابه العزيز:
[{قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "16"} (سورة الحجرات)]
والعجيب أنك تجد هذا الكلام يأتي من الذين يكفرون بالإسلام ولا يؤمنون به نقول لهم: أنتم لستم مكلفين بهذه الأحكام حتى تناقشوها، والله سبحانه وتعالى لم يكلف إلا من آمن به. ولذلك نجد آيات التكليف في القرآن الكريم مسبوقة بقوله تعالى:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} (سورة آل عمران)]
ولنقرأ قول الله تبارك وتعالى:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "183"} (سورة البقرة)]
وقوله سبحانه:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ "9"} (سورة الجمعة)]
إن الذين لا يؤمنون بالله غير مكلفين بشيء، وهم أكثر الناس جدلاً فيما يتعلق بأحكام الله وتكاليفه.
وإذا كان لابد أن نبدأ الحديث بهذه المقدمة .. فإننا نأتي الآن إلى تعدد الزوجات في الإسلام .. ذلك التعدد الذي يثير جدلاً كثيراً عند الناس، وخصوصاً عند غير المسلمين.
لقد فوجئت مرة وأنا أتحدث في سان فرانسسكو .. أن إحدى الحضارات وقفت وقالت لي: الإسلام يبيح تعدد الزوجات؟ قلت: نعم .. يبيح للرجل أكثر من زوجة. قالت: لماذا لا يبيح تعدد الأزواج للمرأة؟ أليس عدلاً كما أباح للرجل أن تتعدد زوجاته، أن يبيح للمرأة أن يتعدد أزواجها؟
قلت: أنتم وفي دول عديدة هناك أماكن تعدونها لمن أراد من الشباب غير المتزوج أن يستريح جنسياً، فيها نساء يتقاضين أجراً من أجل هذه العملية .. لماذا لا تعدون أماكن فيها شباب، وتذهب إليها النساء إذا أردن الراحة الجنسية؟! .. فسكتت المرأة ولم ترد.
قلت: لأن المرأة بطبيعتها تكره تعدد الرجال، وهي ترى أن كرامتها وعزتها أن تكون زوجة لرجل واحد، وأحياناً يموت زوجها، فترفض أن تتزوج مرة أخرى، لأنها ترفض أن تعاشر رجلاً آخر. ولذلك محافظة على كرامة المرأة لا تتزوج المرأة أكثر من رجل، ومحافظة أيضاً على الأنساب. التي تلعب دوراً هاماً في حياة الناس.
والرجل هو الذي يعول ابنه حتى يصل إلى سن الرجولة، ويصبح قادرا على أن يعول نفسه، يحرم نفسه من القرش ليعطيه لهذا الابن، ويحرم نفسه من اللقمة ليضعها في فم ابنه، ويحرم نفسه من ثوب جديد يحتاجه ليشتري لابنه ثوباً جديداً.
هذا الرجل لو شك لحظة أن هذا الطفل ليس ابنه، انقلب عليه وربما طرده من بيته. ونحن نرى في أحداث تقع كيف تختلف معاملة الأب لابنه أو ابنته إذا شك في أنهما ليسا من صلبه .. ينقلب حبه إلى كراهية عميقة، وربما ألقى بابنه أو ابنته إلى الشارع.
ومن هنا ـ لكي يقوم المجتمع ويستمر ـ يجب أن تكون لدى الرجل كل الضمانات لصحة نسب ابنه .. وهكذا أنت تطالبين بحق ترفضه المرأة الحرة .. وتطالبين بحق يفسد المجتمع من أساسه.

|الأساس الإباحة||
والآن ماذا تقول الآية الكريمة .. التي تبيح للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة؟
الله سبحانه وتعالى يقول:
[{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً .. "3"} (سورة النساء)]
وهنا نجد سؤالاً يقفز إلى الذهن .. هل الأصل في التعدد الوجوب أم الإباحة؟
بمعنى .. هل الإسلام يوجب أن يتزوج الرجل بأكثر من زوجة؟ .. أم أنه يبيح له ذلك فقط؟
طبعاً الأصل في التشريع هو الإباحة وليس الوجوب .. أي أن الإسلام لا يوجب على الرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة، ولكنه يبيح له ذلك، إذا رأى أن حياته محتاجة إلى ذلك. وفرق كبير بين الوجوب والإباحة.
إن الإسلام لا يفرض تعدد الزوجات .. أي لا يفرض على الرجال أن يتزوج أكثر من امرأة .. ولكنه يسمح له بذلك.
وإذا رجعنا إلى المنطق .. نجده يقول: لا تعدد لشيء على شيء إلا بفائض. فإذا دخلنا حجرة مثلا .. ونحن خمسة أشخاص ووجدنا فيها خمسة مقاعد، كل منا سيجلس على مقعد، فإذا وجدنا فيها عشرة مقاعد، جلس كل منا على مقعد، وأخذ مقعدا يسند عليه أو يريح قدميه فوقه، أو يضع يديه عليه.
إذن: لا تعدد إلا إذا كان هناك زيادة في العدد .. والمقصود بتعدد الزوجات ألا تبقى امرأة في المجتمع بلا زوج؛ حتى لا تحدث انحرافات وينتشر الحرام.
هذه الزوجة ـ أي الزوجة الثانية ـ لا يمكن أن تقبل مثل هذا الزوج إلا لأنها لم تجد فرصة إلا أن تكون زوجة ثانية. فإذا كان هناك في المجتمع من يقول لها: لا تقبلي هذا الزوج .. نقول له: يسر لها أن تكون زوجة أولى، ولكنها اختارت أحسن الفرص بالنسبة لها، وقبلت أن تكون زوجة ثانية، إنها امرأة رأت من الخير أن تكون زوجة ثانية، أفضل من أن تبقى بلا زواج. فما تدخل المجتمع في هذا؟!
نقطة ثانية بالنسبة للزوجة الأولى .. لقد رأت أنه من الأفضل لها، أن تبقى مع زوجها عن أن يطلقها. فهل من الخير أن تبقى في بيتها مصونة مكرمة؟ أو أن تفقد زوجها وتعيش بلا زوج!
إن التعدد في كثير من الأحيان يكون حافظاً للزوجة الأولى وحافظاً للزوجة الثانية. فلماذا لم تشترط ساعة زواجها ألا يتزوج زوجها بامرأة أخرى؟ إن من حقها أن تشترط في عقد الزواج ما تشاء، ومع ذلك لم نسمع عن امرأة واحدة اشترطت ذلك.
إننا إذا أخذنا إحصائيات الحياة .. ثم فرضنا أن عدد الإناث وعدد الذكور متساويان، فإن أحداث الحياة تأخذ من الرجال أكثر مما تأخذ من النساء. فالمعارك والحروب يتحملها الرجال .. وحياة الرجل وسعيه للرزق يجعله يتعرض لمخاطر أكثر من المرأة.
ولو تساوى عدد الرجال والنساء، ثم تعرض الرجال لمخاطر الحروب للعجز أو للموت .. فأين تذهب الباقيات؟ .. ماذا يفعلن؟ .. إلا إذا أردنا أن يكون المجتمع مجتمعاً منحلاً.
وإذا أخذنا كل الأجناس التي فيها تكاثر، نجد عادة أن الذكور أقل من الإناث .. إذا قمنا بتفريخ مائة بيضة، تجد أن عدد الديوك أقل بكثير من عدد الفراخ. لماذا؟ .. لأن الفراخ هي التي تعطينا البيض الذي نحتاجه للإنتاج الجديد وللطعام.
وإذا غرسنا مائة نخلة .. كم نخلة ذكراً؟ .. وكم نخلة أنثى؟ .. طبعاً عدد النخيل الأنثى أكثر .. لماذا؟ .. لأنه هو الذي يعطينا الثمر .. يعطينا البلح .. ويعطينا البذور لإنتاج نخيل جديد.
وهكذا الأنثى في كل الأنواع، هي التي تعطي، والذكر مهمته التخصيب، وذكر واحد في أي نوع يمكن أن يقوم بعملية التخصيب هذه بالنسبة لعدد من الإناث.
ثم يأتي سؤال هام، للذين يشكون من تعدد الزوجات في الإسلام. هل ألزمنا الله سبحانه وتعالى أن نعدد زوجاتنا، وأن نتزوج أكثر من امرأة؟ ..
الله سبحانه لم يلزمنا بذلك .. لقد أباح سبحانه وتعالى لنا التعدد فقط، ولنا أن نأخذ بالمباح أو لا نأخذ .. فلا إثم علينا إذا لم نأخذ.
والخطأ في الضجة الحادثة حول إباحة التعدد ليس على النساء، ولكن على الرجال. إنهم هم الذين قاموا بهذه الضجة، ولم يأخذوا مع إباحة الله للتعدد حتميته في العدالة، ولو أخذوا حتمية العدالة، ولم تتأثر الزوجة الأولى في معيشتها وحياتها وأولادها .. ما كانت هناك مشكلة.
إن الذي يسمع هذه الضجة .. يعتقد أن مسألة تعدد الزوجات في المجتمع الإسلامي مسألة وبائية، وأن 80% أو 90% من الرجال المسلمين متزوجون بأكثر من زوجة.
ولكن الإحصاءات تقول: أن المتزوجين من اثنين لا تزيد نسبتهم على 3% .. أتعتبر هذه مشكلة: أن يكون بين كل مائة رجل ثلاثة فقط متزوجون بزوجة ثانية؟
هؤلاء الثلاثة ـ من كل مائة ـ ألا يمكن أن تكون عندهم مشاكل أدت إلى الزوجة الثانية .. مثلا، رجل زوجته مريضة .. هل من الأفضل له ا يتزوج امرأة ثانية أو أن يزني مع أي امرأة؟
والزوجة المريضة .. هل من الأفضل لها أن يتركها زوجها تماماً وقد لا يكون لها أحد يرعاها .. أم يبقى ليرعاها ويقوم على شئونها؟!
الإحصاءات تقول: إن الذين يتزوجون ثلاث زوجات هم رجل واحد بين كل ألف رجل، وأن الذي يتزوج أربع زوجات، هو رجل واحد بين كل خمسة آلاف رجل، فهل تعتبر هذه مشكلة ـ مع هذا العدد بالغ القلة ـ تواجهها المجتمعات الإسلامية؟!
وهل تستحق هذه الضجة بما يصاحبها من تهويل، وتصوير أن كل رجل مسلم متزوج من أربع زوجات .. وهو تصوير خاطئ وكاذب عن عمد وافتراء .. هدفه تصوير المجتمع الإسلامي على غير حقيقته.
لقد دخلت البشرية تجربتها مع الزواج الأبدي أو الكاثوليكي الذي لا طلاق فيه .. تجربة خاضها البشر .. ووضعوا فيها مقاييسهم وأحكامهم، فهل نجحت؟ .. أم أن الكنيسة الكاثوليكية التي كان يملؤها التعصب لمبدئها، وتفاخر به بين الناس هي التي اضطرت لا عن إيمان ولا عن دين، ولكن عن واقع دنيوي، ومشاكل ملأت المجتمع بلا حلول.
لقد اضطرت أن تبيح الطلاق، لأنها وجدت في واقع تجربة الحياة المريرة التي نشأت في ظل هذا النظام، أن المجتمع لا يمكن أن يستقيم، وأن المشاكل قد ملأته وفاض بها، وأنه لا يوجد طريق أمامها باستمرار هذه الأبدية، ولهذا أباحت الطلاق، وعندما أباحته لم تبحه اعترافاً بالإسلام، ولا أخذاً بتعاليمه وأحكامه ومبادئه .. ولكن من واقع قانون التجربة والخطأ.

|نظرة الإسلام إلى التعدد||
الأسرة قد تتعرض لمشكلات تهدد كيانها وتعرضها للدمار والفساد، وهذه المشكلات لا يمكن علاجها إلا من طريق إباحة التعدد منها:
1. زيادة عدد الإناث عن عدد الذكور.
2. قوة الدوافع الجنسية عند الرجال، وبرودته عند بعض النساء.
3. مرض الزوجة بمرض مزمن أو إصابتها بعقم.
4. نقص عدد الرجال بسبب الحروب.
لهذا جاءت شريعة الإسلام لتحول بين وقوع الإنسان في الحرج، فأباحت له الزواج بأخرى، حتى لا يقع فريسة للصراع النفسي، الذي قد يقوده إلى السقوط والوقوع في الحرام. لهذا يقول الحق:
[{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً .. "3"} (سورة النساء)]
فالعدل المطلوب هو العدل فيما يملكه الإنسان من الحقوق والواجبات، وهو أمر في استطاعة البشر، والقرآن الكريم هو الذي عقب على قضية العدل المراد بالنصيحة للإنسانية بعد أن ذكر أنهم لن يستطيعوا العدل ولو حرصوا. فأبان أن العدل المطلوب هو عدم الميل المتعمد، فقال تعالى:
[{فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ .. "129"} (سورة النساء)]
أما العدل القلبي فلا يملكه أحد؛ لذلك اشترط الإسلام لإباحة التعدد عدم الخوف من الظلم فيه، فكان الناس قديماً يعددون بلا حدود ولا ضوابط، مما جعل الضرر والحيف على المرأة أشد، فجعل للتعدد أحكاماً وآداباً ومبررات وأخلاقاً حفاظاً على كرامة المرأة، وحسن رعايتها وسلامة الأسرة من الانحدار في الهاوية.
ولكن دعاة التحلل تنقصهم أمانة العرض لجهلهم بحقائق الأشياء، ولو قرأوا الحقيقة من مصادرها الأصلية: القرآن والسنة وتعايشوا معهما لعلموا أن الإسلام كرم المرأة تكريماً لم تره في ماضي التاريخ وحاضره.
هؤلاء المتحللون الهدامون لأمتنا الذين يستمدون أفكار مستوردة.
لو اطلعوا على مجريات الأحداث التاريخية لعرفوا أن القيم الإسلامية وضعت كل إنسان في مكانه اللائق فالمرأة في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945م) طالبت بتعدد الزوجات، وفي أعقاب المؤتمر الذي انعقد بألمانيا سنة 1948 أوصى بإباحة تعدد الزوجات بألمانيا لمشكلة تكاثر النساء.
ومن العجيب أن فوضى غيرنا فضيلة، وفسق غيرنا شرف، والإباحة حرية، هذا أمر عجيب، وليقرأ المتحللون ما كتبته كاتبة إنجليزية.
قالت: "لقد كثرت الشاردات في بناتنا، وعم البلاء الدواء وإني كامرأة، انظر إليهن وقلبي ينفطر حسرة، وإن الدواء الشافي لذلك: أن يباح للرجل الزواج بأكثر من واحدة، فبذلك تصبح بناتنا ربات بيوت، وإن إرغام الرجل على الاكتفاء بواحدة جعل بناتنا شوارد، وسوف يتفاقم الشر إن لم يبح تعدد الزوجات" عن جريدة "لندن تريبون" في 10/8/1949 فهل من مدكر؟

|موقف الكنيسة من الطلاق||
وهكذا أباحت الكنيسة الكاثوليكية للرجل أن يطلق زوجته وأن يتزوج بأخرى، ولو كانت الكنيسة أخذت رأي المرأة لفضلت الكثيرات أن يبقين مع أزواجهن مع السماح للزوج بأن يتزوج بأخرى.
ولكن التعصب هنا لمبدأ باطل، وهو الذي جعل الكنيسة لا تجري مثل هذا الاستفتاء بين النساء.
إن المسألة ليست مظهرية، ولكنها قوانين لصيانة المجتمع .. قوانين وضعها الله سبحانه وتعالى وهو الخالق العليم بخلقه، ولتستقيم الأمور بلا مجاملة، وبلا مباهاة، ولكن بالحق والعدل .. وليصون كرامة المرأة ويكفل لها كرامتها، ولتصبح كل امرأة لها رجل يرعاها.
إنها حل لكل مشكلة .. وهو كما نرى لم يقدم عليه إلا أقل القليل .. رجل أو رجلان هم الذين اتخذوا زوجة ثانية .. والله أعلم بالظروف التي دفعهم إلى ذلك، وماذا كان يمكن أن يحدث لو لم يتخذوا هذا الطريق؟
بقيت بعد ذلك مشكلة أولئك الذين قالوا: إن الله جل جلاله لم يبح التعدد في الزوجات .. مستندين إلى الآيات الكريمة في كتاب الله العزيز:
[{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .. "3"} (سورة النساء)]
وقوله جل جلاله:
[{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا "129"} (سورة النساء)]
بعض المفسرين .. خصوصاً المفسرين من الشيعة قالوا: إن معنى هاتين الآيتين "إن الإسلام لا يقر التعدد" لماذا؟ .. لأنه اشترط في التعدد العدل بين الزوجتين .. ثم قال الله جل جلاله:
[{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ .. "129"} (سورة النساء)]
فهذا نفي أن الزوج يستطيع العدل وبذلك امتنع التعدد .. نقول لهؤلاء: إنكم لم تفهموا النص .. لأن الآية الكريمة تقول:
[{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ .. "129"} (سورة النساء)]
الحكم هنا بالتعدد باق ولم يبطل، ولكن هناك عدم فهم ممن فسروه لأن العدل إما أن يكون عدلاً مادياً، فقد يتحقق فيه العدل، أما العدل القلبي فهذا أمر موكل لنية صاحبه، ومع هذا أمرنا المولى بأن لا نميل كل الميل.

|معنى ولن تعدلوا||
لو أن المقصود كان إبطال الحكم .. لكانت الآية الكريمة قد وقفت عند قوله تعالى:
[{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ }]
وتكون المسألة حكماً مطلقاً من الله جل جلاله .. ولكن قوله سبحانه:
[{وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ }]
يلفتنا إلى أن حكم التعدد مازال باقياً، ولو كان حكم التعدد قد أبطل ما قال الحق تبارك وتعالى:
[{وَلَوْ حَرَصْتُمْ }]
لأنه كيف يكون الحرص والعدل مستحيلاً؟ وكيف نحرص على تنفيذ حكم أبطله الله سبحانه وتعالى؟!
إذن: فمسألة الحرص في العدل دلت على أن الحكم باق، وأن الله جل جلاله يوصينا بالحرص في التنفيذ .. وبمراعاة العدل بقدر إمكان البشر. وقول الحق تبارك وتعالى:
[{وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ }]

يلفتنا إلى أن الله يوصينا ألا نميل نحو واحدة ونترك الأخرى كالمعلقة، التي ليس لها زوج، وكيف نميل نحو واحدة ونترك الأخرى كالمعلقة، إلا إذا كان مباحاً لنا أن نتزوج أكثر من امرأة.
إن كل من أفتى بأن معنى قول الله سبحانه وتعالى:
[{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ .. "129"} (سورة النساء)]
هو منع التعدد في الإسلام، أو منع الزواج بأكثر من واحدة .. نقول له: إن هذا الفهم خاطئ.
ويجب علينا أن نعيش في ظلال القرآن الكريم، تحت راية من نزل عليه القرآن، وعمل به وأبلغه وبينه .. وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يوجد بيننا إنسان مهما علا قدره يستطيع أن يدعي أنه يفهم القرآن أكثر ولا أعمق من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه عليه نزل .. وهو أكثرنا فهماً للقرآن، وكان منهجه محروساً برعاية الله .. والله جل جلاله يقول في رسوله الكريم:
[{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى "1" مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى "2" وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى "3" إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى "4" عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى "5"} (سورة النجم)]
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن هوى في نفسه .. إذا جاءه الحق من الله سبحانه وتعالى بل له صلى الله عليه وسلم أمانة البلاغ وأمانة التنفيذ .. مصداقاً لقوله تبارك وتعالى:
[{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ "15"} (سورة يونس)]
ولو أنه كان معنى:
[{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ .. "129"} (سورة النساء)]
هو تحريم الزواج بأكثر من واحدة .. لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من طلق زوجاته وأبقى واحدة .. ولكن لأن معنى الآية الكريمة ليس تحريم الزواج بأكثر من واحدة، بل الحرص على العدل. فقد أبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاته.
ولا يوجد من يستطيع أن يدعي ـ كما أسلفت ـ أنه أفهم بنصوص القرآن الكريم ومعانيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقبل مثل هذا الإدعاء.
والله سبحانه وتعالى حين لفتنا إلى مسألة العدل بين النساء .. يجب ألا نفهم أنه جل جلاله يريد العدالة المطلقة .. لأن العدل المطلق هو لله سبحانه وحده، ولكن الله يريد العدالة الإمكانية.

|معنى العدالة||
ما هي العدالة الإمكانية؟
عدالة في الزمن الذي يقضيه الزوج عند كل واحدة .. عدالة في المعيشة، فلا يسرف هنا ويقتر هناك، لا .. ولكن العدالة في الحب لا يكلف بها الإنسان. لماذا؟ لأنها فوق الطاقة، ولكن كل امرأة وما تستطيع أن ترغب فيها زوجها .. المهم أنه يعطيها ليلتها، ويعطيها العدل في الوقت والإنفاق.<قالت السيدة عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل، ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك .. فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"> يعني القلب.
إن تعدد الزوجات أمر لم يلزمنا الله سبحانه وتعالى به، ولكنه أباحه لنا .. وفرق كبير بين الإباحة والإلزام .. وأنه ضرورة اجتماعية حتى لا ينتشر الانحلال، وأنه إن تم يشترط فيه العدل في النفقة والمعيشة والوقت، وان كل النظم التي قاومت حرية الرجل في أن يتزوج امرأة أخرى .. سواء طلق زوجته أو أبقاها قد فشلت .. وأن الله سبحانه وتعالى ـ حينما أباح التعدد .. إنما أعطانا النظام الذي لا ضرر منه، وأنه رغم هذه الإباحة فإن عدد الذين يتزوجون بزوجة ثانية لا يزيد على ثلاثة رجال في كل مائة رجل، وأن المتزوجين من أربع نساء لا يزيدون على رجل واحد في كل خمسة آلاف رجل.
إن هذه المشكلة ـ من حيث الواقع ـ تكاد تكون معدومة، ولكن الذين في قلوبهم مرض يضخمونها للنيل من الإسلام، وإظهارها على غير حقيقته.

الكاتب: كتاب المرأة في القرآن

عدد المشاهدات: 54455
تاريخ المقال: Friday, October 5, 2007
التعليقات على تعدد الزوجات (1)

د.ام محمدTuesday, September 18, 2007

مقالة رائعة جزاكم الله الخير،اسلوب رشيق وفهم واع،لماذا لاتتم اضافة اسم الكاتب؟او المنقول عنه؟

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
34965

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

سجل في النشرة الاخبارية في نور الله
أخبار المسلمين الأكثر قراءة
خلال 30 أيام
30 يوم
7 أيام