آخر الأخباراخبار الفن والثقافة › الرواية.. "فاتنة" جذبت أعتى الأدباء والمفكرين نحو سدرتها

صورة الخبر: من الاعمال الروائية المكتملة فيها مراحل النضج التجريبي والفني
من الاعمال الروائية المكتملة فيها مراحل النضج التجريبي والفني

محمد عطية محمود*‏: ‏"في حقل الرواية، ومنذ بواكيرها السردية الأولى، نبتت الغواية والولع والافتنان بهذا الفن الحكائي النابع من ‏المتخيل الإنساني وتجلياته السردية الرواية، فقد افتتن به كل من قرأه، واطلع على نصوصه قديما وحديثا، كما ‏افتتن به كل من كتب في ساحته أعمالا إبداعية حقق من خلالها رؤيته للحياة، وشكّل من متونه ومدوناته ‏عالمه الروائي الخاص بهذه الكلمات".

ومن هذا المتكأ، تنطلق مسيرة كتاب "غواية الرواية "- الذي يقع في مائتين واثنين وخمسين صفحة من ‏القطع المتوسط – للناقد المتميز شوقي بدر يوسف، افتتانا بالرواية نقدا /بحثا، وإبداعا موازيا يلقي ضوءا ‏كاشفا على روايات لافتة، ويصدّره أيضا بإهداء لافت: "إلى أمي وأبي وأصحاب الفضل".

بحيث يتسع فضاء ‏الإهداء ليشمل العديد من الشخوص، سواء مادية أو معنوية، الذين ربما انبثق بعضهم من ثنايا الأعمال ‏الإبداعية التي قدّم رؤيته النقدية الإبداعية فيها سواء في متن هذا الكتاب – الذي بين أيدينا – أو من خلال ‏كتب أخرى على شرف السرد – عن الرواية والقصة القصيرة – ساعيا إلي إبراز جمالياته، وتنوع سبل الفن ‏في أشكاله ومدارسه المتنوعة.‏

ومن منطلق هذا الافتتان والغواية الموازية نقديا – بالرواية – تدلف رؤى الكاتب لموضوع بحثه من خلال ‏ثلاثة عشر دراسة نقدية"بحثية ترتكز على الإبداع الروائي العربي، شكلا ومضمونا، وتبرز نقاطها المضيئة ‏على ما يشبه خارطة إبداعية روائية عربية، تسلط فيها الضوء الكاشف علي عدة محاور تمثلها عينات" نماذج ‏مختارة بعناية، تكاد تغطي تلك الخارطة، كمميزات مكانية ونفسية وتاريخية وذاتية وسياسية.

فمن أقصى الشرق العربي، تأتي دراسة عن المكان في الرواية العراقية، ومن المغرب العربي تأتي دراسة ‏عن رواية "النخاس" للروائي التونسي صلاح الدين بوجاه، وفيما بينهما تأتي محاور عدة تحمل رؤى نقدية عن ‏الصحراء العربية كمكان محوري، وعن المكان وسيكولوجيته من ناحية أخرى.

إلى جوار الرؤية التجريبية ‏لدى إدوار الخراط، إضافة إلى الرؤية السياسية لدى عبد الرحمن منيف، والرؤية التاريخية لدى نجيب ‏محفوظ، وعادل كامل، وصولا إلى محور الذات لدى الروائي السعودي يوسف المحيميد، والروائية المصرية ‏مي خالد، كل من زاوية.‏

إذن فنحن أمام ثراء نقدي بحثي، تؤطر له رؤى الكاتب النقدية، نحو تقديم بانوراما للرواية العربية المعاصرة، ‏في مرحلة من مراحل تجديدها، وكظاهرة يعيشها الأدب بروح الرواية، التي أطلق عليها البعض "ديوان ‏العرب الجديد"، وكما يشير الناقد الكبير د. جابر عصفور في كتابه "زمن الرواية" – الصادر في طبعته ‏الثانية عن مكتبة الأسرة بالقاهرة 2000.

‏"وها نحن بالفعل نعيش زمن الرواية، ذلك الفن الأكثر قدرة على التقاط الخصائص النوعية لعصرنا المتوتر ‏المعقد، ودليل ذلك ما نراه حولنا من التصاعد المتزايد لمعدلات الإبداع الروائي، وتنوع أجياله، وتعدد تياراته، ‏وتباين آفاقه".‏

بداية يعرض الكتاب لرواية "أفراح القبة" لـ "نجيب محفوظ"، في إطار بنائها الفني كرواية صوتية ذات أبعاد ‏ومدلولات خاصة تعتمد على أسلوب حكي الشخوص المتوالي، والتي أفرد لها كاتبها أسلوب ضمير ‏المخاطب، للغة السرد الرئيسية التي تبرز الأبعاد النفسية للشخصية الساردة، والتي تجلت سماتها الأسلوبية في ‏أعمال أخرى للكاتب الكبير مثل "ميرامار، المرايا".

وتشير الدراسة إلى أن هذه التقنية في الكتابة، تحدث إثراء للحدث الرئيسي في الرواية عن طريق الدوران ‏حول حدث معين، بروايته من خلال عدة أصوات / وجهات نظر، مع تضفير معاناة هذه الأصوات مع ‏بانوراما الواقع الحياتي المعاش بصور متعددة ومتباينة.‏
وتطرقت الدراسة إلى استخدام نجيب محفوظ، في هذا النوع من الكتابة الروائية، لمستويات لغوية في السرد ‏والحوار، لإبراز الصورة الفنية لما يجب أن تظهر عليه تبعا للشخصية – بحسب بيئتها ومستواها الثقافي ‏والتعليمي والمهني – سواء بالسلب أو الإيجاب إضافة إلى بحث بيئة الرواية كمجتمع للفنانين والعاملين في ‏مجال المسرح من خلال تحليل شخصاني لكل فرد من أفراد الرواية المأزومين، و كإحالة على مسرح الحياة ‏أو كحياة معاشة، كأي تجربة من تجارب الحياة.

فهو يختتم الدراسة ص 33: "إن الرواية عمل تحكمي يأتي ‏معه بسلسلة من الآثار التحكمية، وإن الفن هو استخدام أقل حجم ممكن من الحياة الخارجية من أجل بعث ‏أعنف حركة ممكنة في الحياة الداخلية، فليست مهمة الروائي أن يقص علينا أحداثا عظيمة، بل أن يجعل ‏الأحداث الصغيرة ذات مغزى وحيوية مثيرة للاهتمام". ‏

التاريخ روائيا
يحتفي محور الرواية التاريخية، بالكتاب، بشخصية "إخناتون" الفرعون المصري القديم، إذ تربط الدراسة بين ‏رواية "ملك من شعاع" للروائي عادل كامل، والتي صدرت عام 1945، وبين رواية "العائش في الحقيقة" ‏لنجيب محفوظ، التي صدرت عام 1985، أي بعد أربعين عاما على اكتمال ثلاثية نجيب محفوظ التاريخية ‏‏"عبث الأقدار – رادوبيس – كفاح طيبة "، وأيضا على صدور رواية عادل كامل، الذي تحصر له الدراسة ‏أعماله الإبداعية في أربعة أعمال. ‏

"ولعل التنامي الذي جمع بين روايتي "ملك من شعاع"، و"العائش في الحقيقة" هو الذي جعل خطوط هذين ‏النصين تستمد من احتفاء الكاتبين لشخصية هذا الفرعون الشاب "إخناتون" صاحب الدعوة إلى عبادة التوحيد". ‏ص38 ‏

ويوضح الناقد رؤيته القائمة على تباين وجهات النظر التي جاءت في شأن الفرعون الشاب، والتي تنوعت ‏عليها معالجات الكاتبين، فقد صور "عادل كامل" الشخصية من منظور داعي السلام والمحبة، بينما عالجها ‏‏"نجيب محفوظ" من خلال وجهات النظر من داخل صفوف أعدائه، وأيضا من خلال المتعاطفين معه ومع ‏رسالته..

وذلك من خلال طريقة كل منهما في استعراض شخوصه المساندة في بناء العمل السردي، واختلاف ‏بنية كل نص منهما عن الآخر وأيضا من خلال طرح إشكاليات خاصة سواء بالفكرة أو بتقنية الكتاب، ‏كالحقيقة المطلقة في نص "نجيب محفوظ "، وإشكالية التقاء المؤثرات الأوروبية بالمؤثرات المعاصرة في نص ‏‏"عادل كامل" وكذا في اختلاف كل من الروايتين في عملية تفسير حالة إخناتون النفسية والعقلية التأملية. ‏

بحيث تخلص الدراسة إلى حتمية المغايرة في فكر كل من الكاتبين عن الآخر، رغم المادة التاريخية الواحدة ‏التي استندا عليها، ولكنهما حلقتان من حلقات الجدل الثائر حول شخصية تاريخية تحولت على يد الكثيرين من ‏المبدعين إلى مادة ثرية للتعبير والإبداع، في إشارة إلى عمل روائي آخر يستلهم نفس المادة وهو "نفرتيتي ‏وحلم إخناتون" لأندريه شديد.‏

بين الرواية السياسية، ورواية الصحراء‏
تلج الدراسة ميدان الرواية السياسية لدى عبد الرحمن منيف، كروائي تثير كتاباته جدلا سياسيا، بطبيعته ‏كسياسي في المقام الأول، حيث يتصدر الفصل الثالث بإحدى عباراته، التي تعبر عن توجهه الأدبي قادما من ‏عالم السياسة المشحون
‏ "والمتتبع لأعمال عبد الرحمن منيف يجد أن هذا الكاتب / الظاهرة قد أضاء في الرواية السياسية العربية ‏فضاءً فسيحا تناول فيه مناطق جديدة لم تعهدها الرواية من قبل، وصنع لنفسه خصوصية روائية اهتمت ‏بالدرجة الأولى بحرية الذات وما يجب أن تكون عليه هذه الحرية". ص50، 51 ‏

ترصد الدراسة إطلالة عبد الرحمن منيف مع مطلع سبعينات القرن العشرين، وعمله على صياغة مشروع ‏روائي طموح عبر خلفية سياسية واقتصادية، لتنطلق أعماله متنوعة بين إبداع الصحراء، والإبداع السياسي، ‏انتقالا إلى مرحلة التاريخ خاصة تاريخ العراق الذي استأثر بآخر روائعه الروائية "ثلاثية أرض السواد".

كما ‏تبرز الدراسة ملمح السيرة الذاتية والعملية للروائي الكبير التي ارتبطت بإبداعه، فتشير ص56 إلى أنه: ‏‏"ينغرس في الواقع العربي ويحاول البحث عن أدوات الإدانة من داخل هذا الواقع، فهو يرسم شخصيات ‏واقعية تتنفس الأجواء المليئة بالضباب والفوضى و الارتباك، وهو يحاول تحسس سلبيات وأزمات الواقع". ‏

كما تشير إلى رواية "شرق المتوسط" بما تمثله من تيار أدب السجون، والذي يدين ويواجه به السجن والتعذيب ‏والاغتيالات السياسية، وضياع قيمة الإنسان، ص60: "وهذا النص يحاول أن يكون صرخة في جو الصمت، ‏وتنبيها وارتدادا قويا نحو صلابة الذات ومعدنها الإنساني الأصيل، ضد هذه الجدران الصماء التي تحوي ‏داخلها الذات المتمردة وتستعرض الدراسة أيضا رواية "حين تركنا الجسر" بما ترتكز إليه من واقع عايشته ‏الجماهير العربية كلها.

ثم تعاود في موضع آخر متابعة تلك الرؤية السياسية في رواية "الآن... هنا... أو ‏شرق المتوسط مرة أخرى" والتي توالي العزف على الوتر المؤلم لأدب السجون، وتأطير المعاناة بشكل ‏روائي فذ.

ثم تنتهي الدراسة عند الشخصيات الروائية الرئيسية المؤثرة في كل تلك النصوص - كعلامات ‏فارقة في مسيرة الرواية العربية – وتعددها وثرائها النفسي والاجتماعي والسياسي، لتخرج الدراسة علينا ‏بتساؤل مهم: هل تقمص عبد الرحمن منيف شخصياته، وقال من خلالها كل ما يريد أن يقوله؟‏

كما يقدم الناقد رؤيته عن الصحراء – كمكان مثير للإبداع – كمدخل للدراسة في فصل جديد، "ولاشك أن ‏سلطة المكان الصحراوي في حد ذاتها هي المعبر عن دلالاته ومفارقة الواقع فيه خاصة ما يرتبط بأغلب ‏الأحيان بمغزى الحياة والموت، ففي الصحراء تبدو المفارقة واضحة والاحتمالات أكثر قوة" ص171.‏

ورواية "فئران بلا جحور" كنموذج روائي لرواية الصحراء، تعد صورة إبداعية من صور إبداع الروائي ‏الليبي أحمد إبراهيم الفقيه، الذي تشير الدراسة إلى سمات عالمه الروائي بأنه: "يحكمه الصراع الدائم للإنسان ‏بين القديم والحديث، بين الإنسان وذاته، بين الرجل والمرأة، بين الأبيض والأسود، عالم متمرد دائما يحمل ‏أزماته على كاهله، لكنه في نفس الوقت عالم متطور يعيش المدينة والقرية كما يعيش الصحراء" ص172.‏

دلالات المكان في الرواية العربية ‏
استمرارا لحضور المكان الطاغي في الكتاب، تأتي دراسة "المكان في الرواية العراقية" لترصد نماذج لكتاب ‏عراقيين، ترتبط كتاباتهم بصور المجتمع المدني في الرواية العراقية، والمرتبطة بالبيئة العربية ككل، في رافد ‏من روافدها ‏
‏"والمكان المديني في الإبداع الروائي العراقي المعاصر، كما صوره كتاب الرواية العراقية، هو المكان الذي ‏يثير إحساسا قويا بالمواطنة العراقية الأصيلة، وإحساسا آخر بالزمن العراقي الإنساني المار بسطوته المستثارة ‏داخل تاريخ العراق الاجتماعي والسياسي الحديث بكل ما يحمله" ص238.‏

‏ ويعرض الكتاب في هذا الفصل، النماذج الروائية التي تتسق مع هذا المفهوم، وتعطي سماته، لتواجد المكان ‏فيها بصورة طاغية ومؤثرة ومتنوعة؛ فتمضي الدراسة مع تحليل هذه النماذج؛ لتشير إلى مفهوم المكان لدى ‏غائب طعمة فرمان الذي يعتمد على رؤية التمسك بالمكان كجذر، والدفاع عنه شأنه شأن الهوية والوجود ‏والحياة، وامتداد هذه الرؤية الأصيلة في كل أعماله الروائية حيث المكان كرمز يجسد دائما معاناة المبدع ‏الروائي.

وكذا معاناة أبطاله الذين لا يستسلمون أبدا للمؤثرات والضغوط، من منطلق هذه الروح وهذا ‏الحرص، وكما تقول الدراسة ص244، "ولعل واقع ما عاشه الكاتب نفسه ما بين وطنه والمنافي التي عايشها، ‏ما هو إلا انعكاس على شخوصه ومضامين أعماله والأمكنة التي يختارها ليجسد فيها إبداعاته الروائية التي ‏أثرت الرواية العربية بهذا التنوع الثري والخصب من النصوص الروائية".‏

‏* وفي نموذج رواية "الرجع البعيد" لفؤاد التكرلي، حيث تعبر الرواية عبر متن الحكاية عن أسرة بغدادية، ‏كنموذج للمجتمع المدني العراقي من زاوية احتشاد العلاقات الإنسانية والاجتماعية في سياق يتكئ على دورة ‏المكان الذي يجمع الكل في بوتقة اجتماعية واحدة، كما تشير الدراسة ص245، "بحيث يقدم الكاتب في هذا ‏النص استثناء روائيا لواقع عراقي صميم، يجعلنا نراجعه كما لو كان هما وفعلا إنسانيا لتغيير حقيقي يأخذ ‏إرادته من المكان ذاته".‏

لتؤكد رؤية الباحث على دور المكان كإرادة فاعلة مؤثرة في تكوين العلاقات المتشابكة بين عناصره الإنسانية ‏المأزومة كمعادل موضوعي لحياة المجتمع بأسره.‏

وفي رواية "زنقة بن بركة" للروائي محمود سعيد، ترصد الدراسة المفهوم الوجودي الفلسفي، وتيمة البحث ‏عن حقيقة فيما يدور على أرض العراق /الصراع كمكان دال، وخروجا إلى فضاء كوني تسعى الرواية إلى ‏الدخول معه في تحد وصراع حيث "تطل العلاقات المأزومة داخل الإنسان – الذي يبدو من مفهوم ساتر- ‏ليس متفرجا على الدنيا إنما هو مشارك في البحث عن حقيقتها، من خلال شخصية "سي الشرقي" المقموعة ‏في المكان العراقي المهمش، والذي يجد متنفسه في الرحيل إلى أقصى الغرب" مما يبرز دور المكان العكسي ‏كعامل طرد، وكمؤثر دلالي على عدم احتوائه لأبنائه، وإن تنوعت أسباب ذلك. ‏

وتنتهي الدراسة في هذا الفصل – الثري في تنوع بحثه – عند ثلاثية الروائي عبد الخالق الركابي "الرادوق - ‏قبل أن يحلق الباشق – سابع أيام الخلق" حيث يلعب تاريخ المكان دورا أساسيا في خلق الجو الرئيسي ‏للروايات الثلاث، مع تمثيل البيئة العراقية بارتباط عنصري التاريخ والمكان ليرصد تطورات سمات المكان، ‏وعلائق مجتمعه من خلال أفراده وتسلسل أجياله.

حيث اختار المكان الواقعي المفترض لذلك – كما تقول ‏الدراسة – ص247 "كمكان أثير، وعاش معه قصة حب دائم يلوذ به ويتماسك معه جزءاً من ثلاثية، وهو ‏جزء من مصائر وحركة وحياة الشخصيات فراح يوسع تلك الأمكنة ويزيد من انتشارها بنظرة المتأمل، ‏والعاِلم الذي عاش تلك الوحدة، وعايش تلك التضاريس وشاهد تلك الملامح".‏

تأتي أهمية المكان كفضاء دلالي نفسي في رواية "لا أحد ينام في الإسكندرية" للروائي المصري إبراهيم عبد ‏المجيد، لتؤكد على فكرة البحث والوجود والانتماء بشكل غرائبي للعلاقة بين الشخوص والمكان "المستباح ‏حتى حدوده القصوى" – بحسب ما جاءت به الدراسة – التي تصدرتها في مفتتحها عبارة للناقد دالة على ‏ارتباط الزمان – زمان الحرب – بالمكان – الإسكندرية – "في زمن الحرب.. لا أحد ينام في الإسكندرية". ‏

تلج الدراسة، الرواية؛ لتكشف عن رحلة البطل المحوري / شبه الأسطوري، كوافد على المدينة في رحلة ‏بحث عن جذور جديدة، و تتمثل المدينة ببعديها التاريخي البعيد، والآني – وقت الحرب – على حد السواء، ‏ومن خلال الصراعات النفسية التي تحكم علاقة الشخوص بالرواية /المكان. "يبدأ – هذا الوافد – في اقتحام ‏عالمه الجديد، وهذا الواقع الحاضر، الآني بتأزماته، وعوالمه المظلمة، وتتأقلم حالته على المكان، يعيشه ‏ويعايشه ويبدو فيه كأنه من أبناء جلدته إنه حالة استثنائية مع الذات".‏

تعانق الرواية من هذه النقطة، جميع الأحداث و الشخوص الأخرى، و تشير الدراسة فيما يلي ذلك إلى ‏عناوين مؤثرة في متن الرواية، كمعالجتها لازدواجية النص، الذي يتوازى فيه الواقع التسجيلي / التوثيقي ‏للمحيط الخارجي للعالم، والواقع داخليا وخارجيا في أسر حرب، وتطاحن الشخوص وصراعها من جهة ‏أخرى، عن طريق تقنية "الكولاج" التي جمع بها الكاتب عناصر سرده الروائي داخل النص الذي يحتفي ‏بالمكان بدلالاته السيكولوجية. ‏

أيضا تشير الدراسة إلى نزوع الروائي إلى "أسطرة" الواقع من خلال بعض الشخصيات التي لعبت دورا ‏مؤثرا في النص، أيضا تشير إلى نزوع الرواية إلى الملحمية في بعض المواقع من خلال تحول البطل شبه ‏الملحمي إلى شخصية روائية لها حضورها القوي على مستوى الحدث.

كذلك تحضر الرؤية التجريبية في ‏النص إلى جانب الواقعية في التعامل حيث تقول الدراسة: "ويعتبر نص "لا أحد ينام في الإسكندرية" من ‏الأعمال الروائية المكتملة فيها مراحل النضج التجريبي والفني المتميز كما حدده "ميشيل بوتور"، ومن ‏الملاحظ في الرواية أنها تمثل تجربة واقع المكان المديني، كما أنها تجربة واقع لشخوص استلهمها الكاتب من ‏منطقة عاش فيها وعايشها" ص126، ص127. لتتفق الرؤية المكانية – كعنصر من عناصر الرواية العربية، ‏المرتبطة بالمدينة، مع ما سبق عرضه من الروايات العراقية ‏

بين التراث والتجريب ‏
في محور آخر من محاور الكتاب، تلوح العلاقة بين تراث الحكي وحداثة النص الروائي في إبداع صلاح ‏الدين بوجاه كملمح من ملامح الإبداع في تونس، حيث تحتفي مسيرته الروائية بهذه التيمة المأخوذة من ملامح ‏الحكي بثرائه العربي القديم مغلفا بالشكل الروائي الحداثي الغربي كما في رواية "النخاس" –حيث تقول ‏الدراسة ص95.‏

‏ "لعله في نصوصه الروائية التالية خاصة روايتي "التاج والخنجر والجسد" و"النخاس" قد استمر أيضا في ‏العزف على هذا الوتر، وإنتاج نمط من الإبداع الروائي يجسد فيه فضاءات جديدة للرواية العربية،يأخذ له من ‏التراث خطوطا وأبعاداً متباينة في اللغة و الحكي والتأويل، ويغلفه بإطار مستمد من الشكل الروائي الغربي ‏المعاصر".

‏ ترصد الدراسة أيضا، العلاقة بين الذات والعالم، حيث تلعب على تيمة البحث عن الحقيقة كوسيلة نحو ‏الحياة، وحيث السرد هو المتعة والخلوة.‏

كما تبين الدراسة أهمية شخصية النخاس التي يمثلها "تاج الدين فرحات" الشخصية التراثية الباحثة عن المعرفة ‏الحقيقة، أو الرحالة الذي لا يستقر في مكان ويستمد قدرته من رغبته في الغوص في حياة الآخرين كارتحال ‏متجدد عبر المكان أو بمعنى عكسي للارتباط بالمكان الواحد، فيما يتعلق بالرؤية الكلية للمكان في الكتاب. ‏‏

"تلك هي شخصيات تاج الدين فرحات التي جسدها الكاتب في نسيج النص لتفعل أفاعيلها وتبحث بمصباح ‏ديوجين المضيء عن وجه الحقيقة المختبئ في متون المخطوطات، وراء كواليس وجدران العالم المنشود" ‏ص98.‏

حيث يتجلى المكان مقترنا بالسفينة – ومحددا بها – فهي تجوب البحار بمخطوطاتها ومدوناتها وحكاياتها ‏وأسرارها، عبر تعدد المكان المادي الثابت والتاريخ ..وذلك من خلال الصراع المحتدم بين النخاس وبقية ‏شخوص النص على ظهر السفينة .. ناهيك عن الصراع مع عجائبية شخوصها التي تمتد نحوها العلاقة مع ‏الآخر الأوروبي، المتمثل في شخصية القبطان الإيطالي كنموذج مصغر لصراع الحضارات.

"ولا شك أن ‏البناء الفني للنص والتحلق حول اللغة التي استخدمها الكاتب يكاد يتكىء أساسا على معطيات الأشياء ‏المسرودة داخل المعالم التراثية الموجودة في إطار المدونات والمخطوطات المحتفى بها في نسيج النص" ‏ص104، ص100.‏

‏ أيضا يأتي الحديث عن رواية "راما والتنين" لإدوار الخراط في إطار التجريب في الرواية العربية، كنموذج ‏ترصد به الدراسة تمرد الروائي الكبير على الشكل السردي المألوف، وجنوحه نحو المغامرة الإبداعية أو ‏الأدب التجريبي، الذي يبحث في الشكل، ويلعب على مستويات اللغة، ويغوص في محاولات لاختبار ‏المضمون.

كما تشير الدراسة، غوصا في قلب الواقع، وتقلبا بين كافة الآداب والفنون والعلوم على مستوى ‏معالجة الشكل والمضمون على حد سواء في إطار تجريبي، في إشارة إلى دعوة مبكرة للكتابة عبر النوعية، ‏‏"فهو مشروع وواقع يبحث دائما عن الاختبارات الأساسية في جماليات التجربة، ويرسي قواعد ذاتية تنبع ‏أساسا من فكر الكاتب ورؤيته، وأقصى ما تستطيع أن تعطيه أدواته، وذخيرته الثقافية والفكرية، والتفاعل ‏الذي يتم داخل مخزونه الثقافي الخاص" ص75.‏

تشير الدراسة إلى أهمية الرواية، باعتبارها خير معبر عن الرواية التجريبية في أدب إدوار الخراط؛ فهو ‏يستخدم تكنيك تيار الوعي المتغلغل في نسيج النص من خلال شخصيتي النص المتغلغلتين في بعضهما؛ ‏لاستبطان ما يدور في وعيهما ومحاولة تأطير عالمهما المتوحد بعلاقتهما الحميمة.

من خلال أربعة عشر ‏فصلا تلعب قيمة كل منها على دلالة العنوان الخاص بكل فصل، وذلك في إطار رؤية عامة يميزها التكثيف ‏والتقطير على مستوى اللغة والأداء الفني المتسق، وذلك في محاولة للربط بين الواقع والخيال، واختزال أبعاد ‏الزمن والتنقل بين مختلف زواياه الحاضرة والماضية والمستقلة دلالة على الاغتراب النفسي في الواقع ‏المعاش، "وهو ما احتفي به إدوار الخراط في روايته الأولى "راما والتنين" التي كانت هي أولى محاولاته ‏الروائية، وتنبيه لما يسمى بالحساسية الجديدة في الأدب القصصي والروائي المعاصر" ص78. ‏

وتشير الدراسة هنا أيضا إلى قيمة البحث عن الحقيقة الضائعة، إلى جانب الحب المفقود في عالم متغير مليء ‏بالفوضى والتمزق، وذلك من الناحية الفكرية للنص، كما تشير إلى تيمة المفارقة التي تلعب عليها الأحداث ‏وتعمقها في متن الرواية، وكذلك الرؤية المتغلغلة بحس راق شفيف يمتلك لغة عالية – وإن كانت شبقية في ‏أحوال كثيرة، ومتوهجة، إلا أنها تساهم في خلق دلالات من صيغها ومعانيها الحسية النابعة من واقع خاص ‏يتكىء عليه الكاتب.‏

في إشارة إلى أن الرواية الحقيقية هي نظرة جديدة إلى العالم وإلى التعامل مع المجتمع بغض النظر عن كونها ‏حكاية أو وثيقة أو تسلية أو محاكاة للواقع كما تقول الدراسة في خاتمتها...‏

كذلك يرصد الكتاب هذا الملمح الاجتماعي لدى الروائي البحريني الرائد عبد الله خليفة كمبدع يمتلك عالما ‏بيئيا اجتماعيا يمثل البحرين بخصوصيتها ومتغيراتها و تحوراتها، ولكل ما يكتنف جوانبها من هموم ترتبط ‏بالبحر و السواحل وحياة الصيد والغوص لاستخراج اللؤلؤ وتجارته، بحثا عن تأطير صورة جلية لما طرأ ‏على بنية المجتمع الأساسية وعملية التحول إلى النفط كبديل للدخول إلى عالم التقنية والمال وما يستتبعه من ‏تطور وحراك ثقافي واجتماعي واقتصادي.‏

تستعرض الدراسة رواية "اللآلئ" لعبد الله خليفة على أنها تمثل نغمة خاصة في أعماله، ثم تلج إلى الرواية ‏الثانية "القرصان والمدينة " بحيث تختلف عن سابقتها في الشكل والمضمون والفكر، باستخدام اللغة ذات ‏الدلالات اللفظية والمجازية، ليعانق الوجه الآخر للمدينة، بعد خوضه تجربة البحر في عمله الروائي الأول ثم ‏تنتقل إلى رواية "الهيرات" والعودة إلى البيئة الاجتماعية لعالم البحر والغوص.

ثم تتجه الدراسة للبحث في ‏المعمار الفني للروايات حيث تنصب على طبيعة المضمون الذي يعبر عن البيئة ومجتمع البحر كمعمار ‏تقليدي واقعي لكنه انتقى له لغة خاصة بمفرداتها الموروثة من البيئة ومجتمع البحر والغوص والصيد، كلغة ‏ساردة فنية معبرة عن هذه البنية النصية، والبيئية الطبيعية للصراع حتى استطاع كتتويج لمسيرته الروائية أن: ‏‏"يضع إضافات متميزة في مسيرة الرواية العربية وأن تجعلنا نضع أيدينا على علاقات لها موروثها الخاص ‏وخصوصياتها الموروثة من صلب منطقة متميزة في الوطن العربي الكبير".‏

كذلك تجدر الإشارة إلى رواية "حكايات الفصول الأربعة" للروائي الكبير محمد جبريل على أنها تبرز التاريخ ‏الاجتماعي للإنسان، استنادا إلى شبكة العلاقات الاجتماعية المعقدة – كما تبين الدراسة في تقدمة فصلها ‏المعنونة باسم الرواية..‏

‏"لذا كانت هي نوع خاص من أحلام اليقظة، يضع فيها كاتبها من نفسه الكثير، يصيرها من وقائع حياته ‏شخوصا، وممارسات ورؤى وأفكار، ووجهات نظر تلح عليه، وترصد المصائر المتلاحمة مع مصيره، ومن ‏ثم فهي تعيد صياغة واقعة من جديد" ص132.‏

وتقسم الدراسة عناوين بحثها في الرواية إلى عنوان يحمل موقف الراوي المشارك في عرض قضايا الواقع ‏المرتبط بشخوصه من خلال ضمير المتكلم، وآخر يحمل الزمن السيكولوجي للسرد الداخلي /الذاتي، وآخر ‏يحمل عنوان المكان كمؤثر دلالي للعمل الروائي ليصل إلى أن رواية "حكاية الفصول الأربعة " قد مثلت ‏علامة جديدة متميزة في عالم محمد جبريل الروائي.

الذات وتيمة المتواليات السردية
ومن منطلق الذاتية المؤثرة في متن العمل الروائي – بصفه عامة – كعامل من عوامل السرد الروائي تخرج ‏علينا الدراسة برصد ملمح الذاتية،أو البحث عن الذات لدى يوسف المحيميد في "فخاخ الرائحة" فتحت عنوان ‏‏"استلاب الواقع والبحث عن الذات الضائعة" تبحث الدراسة في أحد فصولها نموذجا، لإبداع الروائي السعودي ‏ومعالجته للذات الواقعة تحت ضغط استلابها، من خلال تيمة المتواليات القصصية المتواترة التي صاغها ‏الكاتب – كما تشير الدراسة – بحس روائي ذات إيقاع سردي متداخل ومتقاطع الشخوص والأحداث، وذلك ‏من خلال عناوين قصصية دالة تعبر عن المضمون الكامن بداخلها؛ للتعبير عن شريحة شبه غرائبية من ‏الحياة، وكبناء فني يعالج مضمونه من ناحية الراوي والمروي عنه، من خلال البيئة التي تفرض نفسها على ‏إيقاع العمل الروائي بظلالها وواقعها على حد السواء. ‏

‏"لقد مثلت رواية "فخاخ الرائحة" في مسيرة الرواية العربية علامة هامة من خلال النسق والمضمون الجديد ‏الذي بثه الكاتب في نسيج النص بحيث هذا النص بصمة في الرواية السعودية بصفة خاصة، وعلاقة تحسب ‏للكاتب في مسيرته الإبداعية " ص199 ‏
في إشارة من الدراسة إلى تميز تلك التجربة الروائية، بجمعها لملامح حيوية السرد المتوالي وتدفقه، ‏ومعالجتها لإشكاليات الذات وعلاقتها ببيئتها المحيطة.‏

وعن بوح الذات وهواجسها الأنثوية ..تتناول الدراسة رواية "مقعد أخير في قاعة إيوارت للروائية المصرية ‏مي خالد".. حيث تبرز الدراسة جانب البوح الذي تتكئ عليه الكاتبة في متون كتاباتها السردية، وتشكل عالمها ‏السردي والحضور القوي لهواجسها الأنثوية، كرافد من روافد الذات وخيوطها الدقيقة المؤثرة من خلال ما ‏تعبر عنه المرأة في كتاباتها من تجارب ذاتية وعاطفية تتجلى في نصها السردي بإلحاح شديد. ‏

‏"وتعتبر الرواية، من النصوص التي تقودنا في دهاليز النفس وتضاريسها حيث تجسد لنا مناطق محيرة تحتمل ‏العديد من التفسيرات النابعة من سطوة الواقع المعيش، ومفجرة بهذه العناوين التي وضعتها الكاتبة لتتصدر ‏الفصول، والمكونة في نفس الوقت لمتواليات حكائية متواترة هي المكون الأساسي لهذا النص الروائي" ‏ص222. ‏

تشير الدراسة إلى استخدام الكاتبة للمونولوج الداخلي، والبوح الذاتي في سردها الروائي كإطار أساسي للتعبير ‏باستخدام تقنية طباعية مميزة لمقاطع السرد، لإبراز إطار الهاجس الذاتي في كل متوالية حكائية تجسدها ‏الكاتبة من خلال هذا المشهد الذي تلوح منه تقنية آلة الزمن التي اعتمدتها الكاتبة في تأطير رؤيتها الفنية ‏المحتشدة بالصراع النفسي الداخلي، والتقنيات الفنية التي أطرتها الكاتبة لروايتها من حوار مشهدي وتقطيع ‏وتكثيف لغوي وامض وواصف للشخصيات من الداخل والخارج كعوامل تميز جماليات النص السردي.‏

المصدر: العرب أونلاين

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على الرواية.. "فاتنة" جذبت أعتى الأدباء والمفكرين نحو سدرتها

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
7806

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

سجل في النشرة الاخبارية في نور الله
أخبار المسلمين الأكثر قراءة
خلال 30 أيام
30 يوم
7 أيام