آخر الأخباراخبار الفن والثقافة › نقاد يتحدثون عن رسوم المستشرقين .. و هل انحازت لنظرة المستعمر؟

صورة الخبر: صاحب الدار مع الحريم فى الحرملك
صاحب الدار مع الحريم فى الحرملك

حملت رسوم المستشرقين الأوروبيين صورة كاملة عن حياة وأسرار سكان الشرق العرب وأزيائهم وطباعهم ومعمارهم طيلة القرن التاسع عشر ، هؤلاء الذين بهروا الرحالة الغرب فأجاد الرسامون نقلها في لوحاتهم الشهيرة . وقد كانت لوحات شديدة الإتقان لحد الإعجاز ولكن - ولاهتمام الدارسين الشديد بها – ظلت الرسوم متهمة بتشويه الحضارة الإسلامية بالتركيز أحيانا على المرأة ومفاتنها مثلا وخاصة الجواري وافتتان الملوك بهن في هذا العصر ، ولذا وجه "محيط" تساؤلات لمجموعة من اكبر النقاد الفنيين المصريين حول أهمية هذه الرسوم الفنية والتاريخية والاتهامات التي توجه لها .

يوضح كمال الجويلي رئيس الجمعية المصرية للنقاد أن المستشرقين فنانون كبار قاموا بزيارة دول الشرق مرورا بشمال إفريقيا وبلاد الشام والعراق، وانبهروا بالضوء حيث الشمس الساطعة التي يفتقدونها وانعكاساتها على العمارة ومظاهر الحياة الشرقية، وكثير منهم حضروا إلى مصر وأبدعوا لوحات خالدة، بعضها عن الأسواق في الغورية والخيامية والأحياء الإسلامية التاريخية كالحسين والأزهر والتي صوروها بإعجاب شديد جدا .

تضم المتاحف المصرية مجموعات كبيرة من هذه اللوحات التي قدرت بحوالي 27 مليار جنيه حينما اقترح البعض بيعها لمتاحف أوروبا وقوبل ذلك بالرفض باعتبار أنها ثروة قومية .

يواصل الجويلي : الفترة التي صور فيها المستشرقون الجواري عاريات في القصور الملكية في الشرق، عبروا عن واقع حياة القصور في تلك الفترة، حيث كانت تباع الجواري علنا في الأسواق؛ ولذلك وثقها الفنانون الأوربيون في لوحاتهم تعبيرا عن الواقع وقتها .

ولكنهم لم يقتصروا في مشاهدهم على هذا فقط، بل بهروا أيضا بالأزياء الشرقية سواء للرجل أو المرأة، حيث كانت مختلفة تماما عن أزياء الأوروبيين، ولذلك اهتموا بإظهار تفاصيل تلك الملابس الشائعة في ذلك الوقت، فنرى في لوحاتهم بائعي السجاد، والمشروبات، وازدحام الناس في الأسواق، كما تناولوا العمائر والمشربيات وواجهات البيوت الشعبية ومآذن وقباب المساجد التاريخية مثل جامع الأزهر وأحمد بن طولون ذو المئذنة المتفردة التي صممت درجاتها من الخارج.

تفرقة واجبة

الفنان والناقد عز الدين نجيب دعا لضرورة التفرقة بين مرحلة وأخرى وبلد وآخر عندما نتحدث عن الفنانين المستشرقين، فلا نعتبر الفنانين الذين حضروا إلى مصر وصاحبوا نابليون وقت الحملة الفرنسية في بعثة مع العلماء قد شوهوا الحضارة العربية والإسلامية؛ لأنهم لم يفعلوا سوى نقل كل مظاهر الحياة والتاريخ والجغرافيا وعلوم الفيزياء والفنون الشعبية، وجمعوها في النهاية في كتاب "وصف مصر" باستخدام فن الجرافيك "الليثوجراف"، فهم لم يكونوا معبرين عن نمط استعماري في التعامل مع الثقافة والواقع في مصر آنذاك ، بل كانوا بمثابة العلماء الموسوعيين الذين قدموا أول توثيق للثقافة والتاريخ المصري في ذلك الوقت ولكن عبر الفن .


يضيف نجيب : لا نستطيع أن نقول أن الفنانين المستشرقين في القرن التاسع عشر الذين سجلوا نمط الحياة اليومية قد شوهوا الحياة المصرية؛ لأنهم قدموا البديل عن التسجيل بالفوتوغرافيا التي لم تكن قد ظهرت حتى ذلك الوقت، لكن هناك صورة زائفة في أعمال بعض المستشرقين تتمثل في النظرة لما يدور داخل القصور من حياة الترف والحريم والنزوات ومظاهر الانحلال، التي قد نراها في نظرة إلى المرأة خاصة المملوكة كإماء للأمراء والسلاطين، باعتبارها تعبيرا عن حياة المجتمع المصري .
كانت هذه الصور مجرد انعكاس للصور النمطية المحفوظة في عقلية المثقفين الأوروبيين عن الشرق، وكانت تغازل خيالات المغامرين والباحثين عن المتعة والخيال والإثارة والتي وصلتهم عبر ترجمات كتاب " ألف ليلة وليلة " ، فقاموا بتطبيقها بشكل ميكانيكي على صورة الواقع الذي أصبح محط أنظار على المغامرين والتجار والباحثين عن الإثارة من دول أوروبا .

لكننا في المقابل – وفق الناقد عز الدين نجيب - ندين لكثير من الرسامين الأوروبيين في تقديم صورة الآثار المصرية القديمة للسائحين مثل أبو الهول ومعبد الكرنك والمعابد الأخرى في جميع المحافظات، ورسم مشاهد من الرسوم الجدارية على واجهات ومداخل هذه المعابد، كذلك تصوير مشاهد القاهرة الفاطمية بمساجدها وقصورها ومعالمها الفنية المبهرة، وكل ذلك حفظته لنا رسوم بعض الفنانين المستشرقين قبل عصر محمد علي وبعده.

و في عهد محمد علي تم استقدام عدد من الفنانين ليصوروا بورتريهات لأسرته وله شخصيا ولزوجاته، وهي التي تعطينا النماذج الوحيدة لهؤلاء الحكام قبل معرفتنا للجغرافيا ، فأصبحت وثائق تاريخية من خلال الصورة الفنية .
ويضيف الناقد عزالدين لفضل هؤلاء الفنانين مرحلة جاءوا خلالها إلى مصر من بعض دول أوروبا تحت مسمى "السامفونيين" نسبة إلى جماعة "سامفيمون" التي كانت تتطلع للشرق باعتباره حاملا لقوى روحية ومثالية فلسفية تحتاج إليها الحضارة الأوروبية، والتي تعاني من سيادة القيم المادية، كما أن أتباع تلك الجماعة قاموا بإنشاء بعض المدارس لتعليم الرسم والنحت وعملوا فيها كمدرسين في عصر محمد على وما بعده، واعتنق بعضهم الإسلام وتمصر، وهم الذين مهدوا فيما بعد للاهتمام بالفنون الجميلة ولإنشاء أول مدرسة للفنون الجميلة بالقاهرة عام 1908، حيث أن صاحب هذا المشروع هو الفنان الفرنسي "جيوم لابلان"، الذي كان يعيش في مصر، ويؤمن أن بها مواهب فنية يمكن أن تفرز فنانين مصريين، وهو الذي أقنع الأمير يوسف كمال بإنشاء المدرسة، ثم عينه مديرا أو ناظرا لها، إذا فالنظرة إلى فن المستشرقين لابد أن تختلف باختلاف الدوافع والظروف والمناخ العام.

تأريخ الحياة الشرقية



وبسؤال الناقد صلاح بيصار عن اتهام رسوم المستشرقين بتشويه الحضارة العربية والإسلامية ، رأى أنها نظرة بها بعض التعصب؛ لأن المستشرقون أحبوا الروح الشرقية العربية ؛ ومثلا الفنان "ديلاكروا" عندما ذهب للجزائر تأثر بضوء الشمس الساطع في الجنوب، وحين صور ديلاكروا البنات يشربن الشيشة صور في نفس الوقت الفروسية والأهرامات والقاهرة الفاطمية ، ونفس الحال عن أي مظهر ضمن الحياة الاجتماعية للمرأة في هذه الفترة .

ولو تأملنا ملامح الفن الاستشراقي سنجد كل صور الحياة الطبيعية للشرق ، وقام هذا الفن بتأريخ للقرنين الثامن والتاسع عشر حيث بداية البعثات واهتمام الغرب بالشرق، وكذلك حملة نابليون حينما أتى بفنانين صوروا كل الحياة الموجودة في مصر، ولا يمكن اعتبار انجذابهم للمراة الشرقية ذنب ؛ فالفن الاستشراقي لا يشتمل على تعبيرية عالية بقدر ما يشتمل على تسجيلية عالية بخلاف لوحات "ماتيس".

واعتبر بيصار أن هذا الفن لم يقصد شيء غير أخلاقي ، كما ان كثير من الأعمال الاستشراقية بعيدة تماما عن المرأة كتصوير القاهرة وشوارعها، وكانت وسيلة للحوار بين الحضارات.

المصدر: محيط - رهام محمود

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على نقاد يتحدثون عن رسوم المستشرقين .. و هل انحازت لنظرة المستعمر؟

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
45697

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

سجل في النشرة الاخبارية في نور الله
أخبار المسلمين الأكثر قراءة
خلال 30 أيام
30 يوم
7 أيام