|

الوعي الدينيزيارة القبور والأضرحة › 5- زيارة النبي صلي الله عليه وسلم - جزء 2

وقد آثرت أن انقل هذه الأقوال لأربعة من علماء الحنابلة الكبار كي أرد بها على افتراء المفترين الذين ادعوا كذبا أن لعلماء الحنابلة موقفا خاصا من الزيارة وشد الرحال إليها.
وحقيقة إن الذي له موقف خاص من الزيارة من علماء الحنابلة هو الشيخ تقي الدين بن تيميه وبعض تلاميذه. ولكن بعض الناس يروجون آراء ابن تيميه على أنها هي آراء الحنابلة أبدا. أنها آراء خاصة به عفا الله عنه. والحق أحق أن يتبع. فالشيخ لا يمنع الزيارة ولكنه يمنع من شد الرحال لها. لأن شد الرحال لا يكون إلا لمسجده الشريف وتتأتى الزيارة تبعا لذلك فهذا هو الفرق بينه وبين غيره من العلماء. لذا فهو لا يجوز قصر الصلاة في السفر إذا كان السفر من أجل زيارة القبر الشريف لأنه سفر مخالفة فهذا رأيه الخاص وإن خالف فيه العلماء فقد صرح باستحباب الزيارة واستحباب السفر إليها ومن أجلها من الشافعية: الشافعي والنووي والقاضي ابن كج والغزالي والبغوي والشيرازي وابن حجر العسقلاني وابن حجر الهيثمي والعز بن عبد السلام وابن عون والجويني وابن الصلاح وغيرهم.
وصاحب الاختيار من الأحناف والكاساني والزيلعي صاحب نصب الراية وغيرهم وقد حكى القاضي عياض في الشفاء إجماع علماء المالكية على استحباب الزيارة واستحباب شد الرحال إليها يقول في الشفا (2/669 ـ 677).
قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه:ومما لم يزل عن شأن من حج المرور بالمدينة والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتبرك برؤية روضته ومنبره وقبره ومجلسه وملامس يديه ومواطئ قدميه والعمود الذي كان يستند إليه وينزل جبريل بالوحي فيه عليه وبمن عمره وقصده من الصحابة وأئمة المسلمين والاعتبار بذلك كله.
وقال ابن فديك: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية:
{إن الله وملائكته يصلون على النبي}
ثم قال صلى الله عليك يا محمد. من يقولها سبعين مرة. ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان ولم تسقط له حاجة.
وعن يزيد بن أبي سعي المهدي: قدمت على عمر بن عبد العزيز فلما ودعته قال لي: إليك حاجة إذا أتيت المدينة. سترى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام وقال غيره: وكان يبرد إليه البريد من الشام.
قال بعضهم: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف وقال مالك ـ في رواية ابن وهب ـ إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا: يقف ووجهه إلى القبر الشريف لا إلى القبلة ويدنو ويسلم ولا يمس القبر بيده وقال ـ أي مالك ـ في المبسوط ـ كتاب لمالك ـ لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدو ولكن يسلم ويمضي.
قال ملا على قاري: هذا بظاهره يناقض ما سبق عنه إلا أن يقال: هذا بيان الأكمل. فتأمل.
قال ابن أبي مليكة ـ تابعي تميمي مؤذن ابن الزبير وقاضيه ـ من أحب أن يقوم وجاه النبي صلى الله عليه وسلم فليجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه.
وقال نافع ـ مولي ابن عمرو وهو من أئمة التابعية ـ كان ابن عمر يسلم على القبر. رأيته مائة مرة واكثر يجئ إلى القبر فيقول: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. والسلام على أبي بكر. السلام على أبي. ثم ينصرف.
ورؤى ابن عمر واضعا يده على مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه.
ون ابن قسيط والعقبي: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا المسجد جسوا رمانة المنبر الذي تلي القبر بميامنهم. ثم استقبلوا القبلة يدعون ثم قال: وقال مالك ـ في كتاب محمد ـ ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل وخرج ـ يعني المدينة وفيما بين ذلك ـ.
وقال محمد: وإذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقبر وكذلك من خرج مسافرا.
وقال أيضا: وقال فيه ـ أي المبسوط ـ أيضا: لا بأس لمن قدم من سفر أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر.
وقال ابن القاسم: ورأيت أهل المدينة إذا خرجوا منها أو دخلوها أتو القبر فسلموا.
قال: وذلك رأيي. انتهى الشفا.
وقال الشهاب الخفاجي في نسيم الرياض:
فلا يقبله. فيكره مسه وتقبيله وإلصاق صدره. لأنه ترك أدب. وكذلك ضريح يكره فيه ذلك. وهذا أمر غير مجمع عليه. ولذا قال احم دوالطبري: لا بأس بتقبيله والتزامه، وروى أن أبا أيوب الأنصاري كان يلتزم القبر الشريف، قيل: وهذا لغير من لم يغله الشوق والمحبة وهو كلام حسن.
هذا وقد روي في فعل الصحابة رضوان الله علهم ما يدل على صراحة على مشروعية الزيارة والسفر لها للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي ذلك عن سيدنا بلال رضي الله عنه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ذكر الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي في كتابه الكمال في ترجمة بلال، وكذا الحافظ أبو الحجاج المزي والحافظ ابن عساكر رحمه الله في ترجمة بلال فقد روي بسنده المتصل عن أم الدرداء وعن أبي الدرداء رضي الله عنهما. قال:
لما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه من فتح بيت المقدس فصار إلى الجابية سأله بلال أن يقره بالشام. ففعل ذلك. قال وأخي أبو رويحة الذي آخى بيني وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل داربا في خولان، فأقبل هو أخوه إلى قوم من خولان. فقال لهم: قد أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين، فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله وفقيرين فأغنانا الله، فإن تزوجونا. فالحمد لله وإن تردونا فلا حول ولا قولة إلا بالله. فزوجوهما ثم إن بلالا رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال، أما أن لك أن تزورني يا بلال؟ فانتبه حزينا وجلا خائفا، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده، ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ففعل، فعلا سطح المسجد فوق موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله اكبر، الله اكبر، ارتجت المدينة فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ازداد رجتها. فلما أن قال: أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رؤى يوما اكبر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم أ . هـ .
قال الإمام السبكي رحمه الله تعالى: "فسفر بلال في زمن صدر الصحابة ورسول عمر بن عبد العزيز في زمن صدر التابعين من الشام إلى المدينة، لم يكن إلا للزيارة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن الباعث على السفر غير ذلك، لا من أمر الدنيا ولا من أمر الدين، لا من قصد المسجد ولا من غيره، وإنما قلنا ذلك لئلا يقول بعض من لا علم له. أن السفر لمجرد الزيارة ليس بسنة.
ثم قال: أما من سافر إلى المدينة لحاجة وزار عند قدومه أو اجتمع في سفر قصد الزيارة مع قصد آخر فكثير" أ . هـ .
وروى في فتوح الشام: أنه لما كان أبو عبيدة منازلا ببيت المقدس أرسل كتابا إلى عمر مع ميسرة بن مسروق رضي الله عنه يستدعيه الحضور، فلما قدم ميسرة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلها ليلا، ودخل المسجد وسلم على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى قبر أبي بكر رضي الله عنه.
وفيه أيضا: أن عمر لما صالح أهل بيت المقدس وقدم عليه كعب الأحبار واسلم وفرح عمر بإسلامه، قال عمر رضي الله عنه قه: هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتتمتع بزيارته، فقال لعمر: يا أمير المؤمنين أنا أفعل ذلك ولما قدم عمر المدينة أول ما بدأ بالمسجد وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أ . هـ .
وأقول: إنه قد ثبت مما ذكرنا أن السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه والصلاة في مسجده الشريف والتمتع بالجلوس للذكر والتلاوة في الروضة الشريفة ورؤية منبره ومصلاه ومجلسه وغير ذلك. إنه عمل مشروع ومأمور به من الشارع وفيه قربة لله عز وجل يثاب فاعلها. ويذم تاركها إن كان قادرا على الأداء ولم يفعل. ومن أراد المزيد فليطالع شفاء السقام للسبكي والشفا للقاضي عياض ونسيم الرياض للخفاجي وكذا شرح ملا على القاري والخصائص الكبرى والصغرى للسيوطي ومفاهيم يجب أن تصحح لابن علوي المالكي وجواهر البحار للنبهاني وغيرها كثير.

3. آداب الزيارة
روي القاضي عياض رحمه الله تعالى في كتابه الشفا بسنده المتصل عن شيوخه إلى أن حميد قال: ناظر أبو جعفر "المنصور" أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال:
{لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون }
ومدح قوما فقال:
{إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم }
وذم قوما فقال:
{إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون }
وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة. بل استقبل واستشفع به فيشفعك الله، قال الله تعالى:
{ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}
وقال مالك ـ وقد سئل عن أيوب السختياني ـ ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب افضل منه.
وقال: حج حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع نمه غير أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى ارحمه. فلما رأيت منه ما رأيت وإجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه ـ أي كتب عنه الحديث وروايته.
وقال مصعب بن عبد الله: كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه. فقيل له يوما في ذلك. فقال: ل رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون، ولقد كنت أرى محمدا بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه.
ولقد كنت أرى جعفر بن محمد ـ الصادق ـ وكان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم أصفر، وما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة ولقد اختلفت الياه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليا وإما صامتا وإما يقرأ القرآن، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله عز وجل ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم بن محمد أبي بكر الصديق رضي الله عنه يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى لونه كأنه نزف من الدم، وقد جف لسانه في فيه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد كنت آتى عامر بن عبد الله بن الزبير: فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع، ولقد رأيت الزهري وكان من أهنأ الناس وأقرئهم، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرفك ولا عرفته. أ . هـ .
وروى القاضي عياض أيضا: أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها اكشفي لي قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشفته لها. فبكت حتى ماتت.
وكذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس أدبا معه وأشد هيبة منه رغم تواضعه الشديد. فقد كانوا يهابونه احتراما ويتأدبون معه حبا وإجلالا ويوقرونه إعظاما لمقامه حتى أنك لتجد الرجل منهم إذا سئل عن وصف النبي صلى الله عليه وسلم فلا يستطيع. ولذلك اعتذر عمر رضي الله عنه عن وصفه لمن طلب منه ذلك. وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه لمن طلب منه أن يصف له النبي صلى الله عليه وسلم "والله ما ملأت منه عيني قط حتى أستطيع أن أصفه" لأنهم كانوا يهابونه مهابة إجلال وإكبار مراعاة لمقامه العالي فلم يقدروا على التفرس في وجهه الشريف، لأن العين لا تقدر أن تبصر في مواجهة قرص الشمس.
وكذلك كان حالهم عندما يزورونه في قبره الشريف فقد كانوا يقفون أمام القبر وهم يصلون ويسلمون عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه في أدب وحياء يندر وجوده في مسلمي هذا الزمان لذلك يجب على المسلم أن يعي آداب الزيارة وأن يلتزم بالسلوك القويم ويشتد تمسكه بالخلق العظيم فترة قيامه بأعمال الزيارة الميمونة.
فعلى المسلم أن يدخل المدينة المنورة في أدب واستحياء مستحضرا عظمة الله تعالى وليذكر أنه في حرم الله ومسكن النبي صلى الله عليه وسلم، فعندما تقع عينه على المدينة المنورة يرفع صوته بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا وصل إلى المسجد الشريف وق وقال: اللهم إن هذا هو الحرم الذي حرمته على لسان نبيك وحبيبك ورسولك صلى الله عليه وسلم ودعاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مثل ما هو بحرم بيتك الحرام. فحرمني على النار. وأمتي من عذابك يوم تبعث عبادك. وارزقني ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك ووفقني فيه لحسن الأدب وفعل الخيرات وترك المنكرات.
وإذا وصل الزائر إلى أحد أبواب المسجد الشريف فإنه يدخل منه ببسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم داعيا الحق تبارك وتعالى بأن يمن عليه بالخير الكثير في مسجد نبيه صلوات الله وسلامه عليه. وأن يدخله ويخرجه منه مغفورا له.
ثم يقوم الزائر بتحية المسجد الشريف. ثم يأتي القبر الشريف في أدب وحياء بهذا أفتى الإمام مالك وسائر الأئمة رضي الله عنهم، إلا أن بعض علماء المالكية قد رخص في تقديم الزيارة على تحية المسجد وقد قال بمثله بعض متأخري علماء المذاهب الأخرى.
وفرق بعض العلماء بين من يدخل المسجد من أقرب الأبواب إلى الحجرة الشريفة مما سيجعل الزائر مارا بالقبر الشريف قبل أن يصل إلى صحن المسجد فمثل هذا يسلم على الني صلى الله عليه وسلم ويقوم بواجب الزيارة ثم ينصرف ويؤدي تحية المسجد، وأما من دخل من باب يدخل منه المسجد دون المرور على الحجرة الشريفة فعليه أن يؤدي تحية المسجد أولا ثم يذهب للقيام بأداء واجبات الزيارة، وهو رأي وجيه.
روي النبهاني في جواهر النجار نقلا عن خلاصة الوفا للسمهودي رحمه الله تعالى:
عن الحافظ أبي موسى الأصفهاني روي عن مالك قال: إذا أراد الرجل أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيستدبر القبلة ويستقبل النبي صلى الله عليه وسلم. ويصلي عليه ويدعو له ونقل ابن يونس عن ابن حبيب أنه قال: ثم أقصد إذا قضيت ركعتين إلى القبر من وجاه القبلة فادن منه ثم سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثن عليه. وعليك السكينة والوقار. فإنه صلى الله عليه وسلم يسمع ويعلم وقوفك بين يديه. وتسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتدعو لهما.
وقال إبراهيم بن حربي في مناسكه: تولى ظهرك القبلة وتستقبل وسطه يعني القبر وفي مسند أبي حنيفة رحمه الله لأبي القاسم طلحة عن أبي حنيفة: جاء أيوب السختياني فدنا من قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاستدبر القبلة وأقبل بوجهه إلى القبر وبكى بكاء غير متباك وقال المجد اللغوي: روينا عن عبد الله بن المبارك قال: سمعت أبا حنيفة يقول: قدم أيوب السختياني وأنا بالمدينة فقلت لأنظرن ما يفعل. فجعل ظهره مما يلي القبلة ووجهه مما يلي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى غير متباك، فقام مقام رجل فقيه.
ويشهد له ما رواه أبو ذر الهروي في سننه في بيان الإسلام والإيمان من أن حماد بن زيد حدث أبا حنيفة بالحديث في ذلك عن شيخه أيوب السختياني فقال له أبو حنيفة: فحدثك أيوب بهذا وبكى ثم قال: ما ذكرت أيوب السختياني إلا بكيت. فقد رأيته يلوذ بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما رأيته من أحد.
ثم قال السمهودي: وعن أصحاب الشافعي وغيره: يقف وظهره إلى القبلة ووجهه إلى الحضرة وهو قول ابن حنبل. انتهى.
وقال المحقق الكمال بن الهمام رحمه الله تعالى أن ما نقل عن أبي الليث ـ من علماء الحنفية ـ مردود بما روي عن أبي حنيفة في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
من السنة أن تأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة وتجعل ظهرك إلى القبلة وتستقبل القبر بوجهك ثم تقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
وفي المنسك الكبير لابن جماعة: مذهب الحنفية أن يقف للسلام عند الرأس المقدس بحيث يكون على يساره ويبعد عن الجدار قدر أربعة أذرع ثم يدور إلى أن يقف قبالة الوجه المقدس مستدبر القبلة، وشذ الكرماني من الحنفية فقال: يقف مستدبر القبر المقدس مستقبل القبلة. وتبعه بعضهم وليس بشيء، فاعتمد على ما نقلته. انتهى.
ثم قال: ولا ينبغي أن يتردد فيه. إذ الميت يعامل معاملة الحي، والحي يسلم عليه مستقبل له، وما سبق عن علقمة الكبير من أن الناس كانوا قبل إدخال البيت في المسجد يقفون على باب البيت يسلمون، سببه: تعذر استقباله الوجه الشريف حينئذ، وكانوا يستقبلون القبر الشريف من ناحية باب البيت، ومن ناحية الرأس الشريف لما سبق عن المطري من أن يقف موقف على بن الحسين للسلام عند الأسطوانة التي تلي الروضة، قال وهو موقف السلف قبل إدخال الحجرات كانوا يستقبلون السارية التي فيها الصندوق مستدبرين الروضة. فلما دخلت الحجرات وقفوا مما يلي الوجه الشريف.
ولابن زبالة عن سلمة بن وردان قال: رأيت أنس بن مالك إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم يأتي فيقوم أمامه أ . هـ جواهر
وقد روي في المستوعب لأبي عبد الله السامري الحنبلي: "ثم يأتي حافظ القبر فيقف ناحيته ويجعل القبر تلقاء وجهه والقبلة خلف ظهره والمنبر عن يساره ويذكر السلام والدعاء".
فبالنظر في فعل الصحابة والتابعين وأقوال الأئمة والعلماء العاملين يمكننا أن نذكر آداب الزيارة فيما يلي: ـ
1. إخلاص النية لله تعالى متقربا بهذه الزيارة لله عز وجل.
2. أن يزداد بالعزم شوقا وصبابة وتوقا، وكلما قرب من المدينة ازداد غراما وحنوا.
3. أن يخرج من بيته ببسم الله والصلاة والسلام على سينا رسول الله صلى الله، ثم يدعو الله عز وجل أن يجعلها رحلة مباركة خالصة لوجهه تعالى ومحبة في نبيه صلى الله عليه وسلم.
4. أن يكثر من الصلاة والتسليم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء السفر.
5. أن يغتسل لدخول المدينة ويحمل معه الطيب ويلبس أنظف ثيابه. صرح بذلك جماعة من الشافعية والحنابلة وغيرهم.
6. إذا اقترب من المدينة المنورة ووقعت عيناه على القبة المنيفة استحضر عظمة الله تعالى ورعاية مكانة نبيه صلى الله عليه وسلم كما يستحضر فضل هذه البقعة الطاهرة التي اختارها الله مثوى لحبيبة صلى الله عليه وسلم.
7. أن يسير في شوارع المدينة بأدب واحتشام وحياء، وأن يبتسم ويبش في وجه أهلها فهم من سلالة المهاجرين والأنصار وهم المجاورون لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
8. أن يقدم الصدقة على فقراء المدينة. وأن يبدأ بدخول المسجد الشريف وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يعرج على ما سواه إلا بعد أن يؤدي واجب الزيارة.
9. إذا دخل المسجد وأدى التحية وذهب للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه رضي الله عنهما، نوى الاعتكاف بالمسجد واشغل نفسه بالذكر والدعاء وتلاوة القرآن والصلاة.
01. أن يقف أمام الحضرة الشريفة مستعينا بالله تعالى في رعاية الآداب بهذا الموقف المنيف يقف في خضوع ووقار وذلة وانكسار غاض البصر مكفوف الجوارح، واضعا يمينه على شماله كهيئة الصلاة، ويكون بينه وبين الرأس الشريف قدر أربعة أذرع وقيل: ثلاثة، ولا يقترب من القبر إلا بقدر ما كان يقف منه صلى الله عليه وسلم في حياته الشريفة وهذا أدب جم وخلق عظيم وسلوك قويم رشيد.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه وعلى صاحبيه ويدعو الله بما شاء ووجهه إلى القبر الشريف متوسلا إلى الله بجاه نبيه صلى الله عليه وسلم ومستأذنا النبي صلى الله عليه وسلم في أن يشفع له في يوم العرض الأكبر.
مستعينا في هذا بالصلوات والأدعية التي وضعها العلماء وإن لم يمكنه ذلك دعا بما شاء بقدر استطاعته بشرط أن يشتمل قوله على حسن الأدب وصدق المنطق وإخلاص النية.
ثم يتحرك يمينا قدر ذراع ليسلم على الصديق رضي الله عنه ثم يتحرك يمينا قدر ذراع فيسلم على الفاروق رضي الله عنه ويدعو لهما، ثم يعود ليقف أمام النبي صلى الله عليه وسلم متوسلا به إلى ربه عز وجل، صرح بذلك الإمام النووي الشافعي رضي الله عنه.
11. عندما ينتهي من السلام يعود إلى المسجد في أدب وتواضع واستحياء، ثم يأتي المنبر ويقف عنده ويدعو الله بما يشاء ثم في الروضة الشريفة ثم باقي المسجد ومسجده الشريف كله حرم آمن.
21. إذا ما مر ناحية القبر الشريف من داخل المسجد أو من خارجه فعليه أن يقف في أدب ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه ثم ينصرف راشدا بهذا صرح الإمام مالك رضي الله عنه.
31. الإكثار من الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم والترضي عن آل بيته وصحابته أثناء وجوده بالمدينة المنورة داخل المسجد أو في الشارع أو في المسكن.
41. عندما يعزم على السفر إلى بلده فعليه أن يأتي المسجد الشريف ويؤدي التحية، ثم يذهب إلى القبر الشريف ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه ثم يدعو ربه عز وجل، ثم يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الخروج داعيا الله عز وجل أن لا يجعل هذا آخر العهد بمسجد نبيه وبقربه الشريف، ثم ينصرف في أدب وخشوع مصليا ومسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يخرج من المدينة.
صلاة وسلاما على رسول الله الرحمة المهداة والنعمة المسداة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وزوجاته وسلم تسليما كثيرا.
عدد المشاهدات: 3898
التعليقات على 5- زيارة النبي صلي الله عليه وسلم - جزء 2

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
61247

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري