|

كان أبوه يسار فارسيا مولي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وكان سليمان عالما ثقة عابدا ورعا حجة، وكان أخوه عطاء من العلماء أيضا إلا أن سليمان كان فيما يبدو أكثر فقها ومعرفة بالإفتاء، ولهذا كان أحد الفقهاء السبعة الذين كان يرجع إليهم عمر بن عبد العزيز وقد روي عن ابن عباس وأبي هريرة وأم سلمة رضي الله عنهم، وروي عنه جماعة من أكابر العلماء أظهرهم الزهري وكان موثوقا في علمه من العلماء، وموضع تقدير سعيد بن المسيب حتى إنه كان إذا جاءه من يسأل عن فتوى يقول له: اذهب إلي سليمان بن يسار، فإنه أعلم من بقى اليوم وجاء ابن المسيب يوما رجل يسأله عن بعض الأحكام.

فقال له: سألت أحد غيري؟

قال: نعم.

قال: من هو؟

قال: عطاء بن يسار وعطاء هذا أخو سليمان.

قال: فما قال لك؟

قال: كذا وكذا وأخبره عن الجواب، وكأن إجابته لم تلق قبولا عند ابن المسيب.

فقال للرجل: اذهب إلي سليمان بن يسار، فسله ثم أخبرني ما قال لك.

فتوجه الرجل إلي سليمان، وسأله، وتلقى الإجابة، ولما أخبر سعيد بن المسيب، قال: عطاء قاض، وسليمان مفت. وكان البعض يرى أنه أفهم من سعيد. وقد ولاه عمر بن عبد العزيز سوق المدينة لما كان واليا عليها وكان سليمان رحمه الله كثير العبادة يصوم الدهر، شديد الخشية لله والمراقبة له في السر والعلن.

وكان حسن الهيئة جميل الوجه، وقد جر عليه جمال وجهه بعض المتاعب وعرضه لبعض الفتن التي عصمه الله منها لخشيته وتقواه فقد قام برحلة من المدينة إلي مكة هو ورفيق له، ولما وصلا إلي الأبواء ضربا خيمة أقاما بها، وذهب رفيقه إلي السوق يشتري بعض ما يحتاجون إليه، وبصرت به أعرابية كانت تقيم بالجبل المطل على الخيمة، فأخذ حسنه وجمال وجهه بلبها، فانحدرت إليه في الخيمة، وجلست بين يديه، وأسفرت عن وجهها، يقول راوي الخبر فبدا كأنه فلقة قمر، وتحدثت إليه، فظن أنها تريد طعاما، فقام إلي ما عنده من طعام ليعطيها إياه. فقالت: لست أريد هذا إنما أريد ما يكون من الرجل إلي أهله.

فقال: جهزك إلي إبليس، ثم وضع رأسه بين كفيه وأخذ يبكي وينتحب، فلما رأت منه ذلك، أسدلت برقعها على وجهها، وانصرفت عائدة إلي خيمتها. ولما عاد صاحبه، وقد ابتاع ما يحتاجان إليه، ورآه وقد انتفخت عيناه من البكاء، وانقطع حلقه.

فقال له: ما يبكيك؟

قال: خير .. ذكرت صبيتي.

قال: لا، إن لك قصة، إنما عهدك بصبيتك منذ ثلاث أو نحوها، ولم يزل به حتى أخبره بشأن الإعرابية فوضع ما جاء به وانخرط في بكاء حار، ودهش سليمان من بكاء صاحبه.

وسأله: ما يبكيك؟

قال: أنا أحق بالبكاء منك.

قال: فلم؟

قال: لأني أخشى أن لو كنت مكانك لما صبرت عنها.

وقال راوي الخبر: فمازالا يبكيان.

فلما انتهى سليمان إلي مكة، وطاف وسعى، أتى الحجر، واحتبي بثوبه، فنعس، فإذا به يرى في النوم: رجلا وسيما جميلا طوالا، له شارة حسنة، ورائحة طيبة. فسأله سليمان: من أنت رحمك الله؟

قال: أنا يوسف بن يعقوب.

قال: يوسف الصديق؟

قال: نعم.

قلت: إن في شأنك وشأن امرأة العزيز لشأنا عجيبا.

فقال له يوسف: شأنك وشأن صاحبة، الأبواء أعجب. وهذا الخبر يدل على ما كان يتمتع به سليمان بن يسار من عفة وأمانة وتقوى لله ومراعاة لحرماته وخشية منه. وكان شأن سليمان شأن الفقهاء في عصره يبدو نظيف الثياب، حسن المظهر. وقد عاش سليمان ثلاثا وسبعين سنة وتوفى على أرجح الأقوال عام سبعة ومائة للهجرة. فرحمه الله وأجزل مثوبته.

 

عدد المشاهدات: 3701
التعليقات على سليمان بن يسار

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
90754

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

سجل في النشرة الاخبارية في نور الله
أخبار المسلمين الأكثر قراءة
خلال 30 أيام
30 يوم
7 أيام