آخر الأخباراخبار الفن والثقافة › الشاعر محمد الميموني في مرايا النقد والشهادة بطنجة

صورة الخبر: مناوشات نقدية
مناوشات نقدية

نظم مؤخرا بفضاء مكتبة عبد الله كنون يوماً دراسياً للإقتراب من المنجز الشعري والنقدي للشاعر المغربي محمد الميموني، من قبل المركز المتوسطي للدراسات والأبحاث، وسليكي إخوان للنشر والتوزيع، وإتحاد كتاب المغرب فرع طنجة، وملتقى الشعر الإيبيرور مغربي، ووكالة شراع.

الجلسة الأولى التي ترأسها الروائي بهاء الدين الطود خصصت لمحور"محمد الميموني: تجربة في النقد والترجمة"، وافتتحت بمداخلة الباحث محمد المسعودي االمعنونة ب"مناوشات نقدية في كتاب"سبع خطوات رائدة" لمحمد الميموني" منطلقا من أسئلة مرتبطة بمؤلفه النقدي من قبيل "هل يمكن اعتبار ما كتبه الشاعر محمد الميموني عن شعراء مغاربة آخرين في كتابه في الشعر المغربي المعاصر: سبع خطوات رائدة" نقدا أدبيا بالمعنى الأكاديمي الدقيق لمفهوم "النقد الأدبي"؟ واعتبر المسعودي أن محمد الميموني "افتتح مناوشاته النقدية بقراءة نصوص شعراء يمثلون اتجاهات ثلاثة مر بها الشعر المغربي المعاصر: التقليدية والرومانسية والحداثة.

كما أشار الناقد إلى ملاحظات تتصل بطغيان الطابع اللغوي/البلاغي على مقارباته، وكذا الاهتمام بالجانب العروضي/الإيقاعي والتصويري التخييلي، مستنتجا أن الكتاب لا يكاد يخرج عن المتداول في النقد الشعري المدرسي في الغالب الأعم، وعن ما كان متداولا في النقد العربي حتى بروز موجة البنيوية واكتساحها للساحة النقدية؛ أما في مستوى تناول العوالم الشعرية والموضوعات المطروقة لدى الشعراء فنلمس البعد الانطباعي الجمالي الذي يهيمن على القراءات ويُقدم من خلالها المتن الشعري وما يحفل به من دلالات. وانطلق الإعلامي والشاعر حسن بيريش في مداخلته التي حملت عنوان "محمد الميموني موسيقار اللغة الشعريية" من تعبيرات شعرية تصف الشاعر محمد الميموني بوصفه الشاعر الموغل في دم القصيدة، المستنطق لسواكنها، والقابض على شواردها، يدعوها إلى دفاتره فلا تتمنع، متوقفا عند تحربته الراسخة في تربة الإبداع بإنسانيته وتواضعه، ومحمد الميموني على حد تعبير حسن بيريش أدمن مواقع الضوء، حيث يتوهج شعره بالألاء، وتتخصب شاعريته بما يجعلها تتفوق على نفسها، وتتسارع عقارب مخيلته، وتعاطيه للإبداع في أفقه الرحب، فاكتسبت منه صفات الديمومة، وغدا إنساني المنزع، خصيب المشتل، وهو صاحب الخطوات التي جعلته يتبوأ مصاف المؤسسين الكبار لقصيدة مخلصة لشعريتها الخاصة، مذكرا في الوقت ذاته بلقائه الأول مع المحتفى به بمعهد سيرفانطيس، ورسائله التي جعلته يصفه بعراب اللغة النثرية.

وارتباطا بسياق الجلسة النقدية الأولى اعتبر الباحث عبد السلام دخان أن منجز محمد الميموني الشعري خصب ويحتاج لتأمل نقدي في مستوى الجهد الإبداعي الذي بدله على مر السنين، وهو شاعر راهن على الإنتساب لوطنه عبر هذا الشكل التعبيري المخصوص ، وعبر موضوعات تؤرخ لمنعطفات حياة الشاعر ولتاريخ الشعر المغربي الذي مر بتحولات مختلفة ومتعددة ، ولقد كانت رغبة محمد الميموني للخروج من التأسن الشعري مسكونة بسفاسف شعرية ناضجة تنتمي إلى التربة المتوسطية، مما أكسب نصوصه سماتها المخصوصة وقد اختار أن يكون ناسكا في محراب القصيدة لأنها الغاية والمبتغى، تحمل عبء ثقلها الأصعب ولهيبها الحارق يحقن نصوصه بمصل الجدة من غير حاجة للقواميس لأنه اختار الابتعاد عن التكلف والرياء البلاغي رغبة في تحقيق التواصل وكشف المنحجب بحثا عن الممكن الأنطلوجي.

واسترجع الشاعر والمترجم محمد العربي غجو المقدمة التي خص بها محمد الميموني ديوانه "مرفأ العيون"، وكذا حضوره المستمر في كل دورات ملتقى لوركا، ليقارب بعد ذلك ديوانه الأخير"موشحات حزن متفائلة" الذي يغطي مرحلتين، الأولى تميزت بكونها مرحلة صدى مطبوعة بالنكسات، وأخرى عرفت انصراف جل الشعراء إلى استكشاف قارات شعرية جديدة، تروي ظمأهم، مبرزا بعض السمات التي تطبع الديوان من قبيل الإيغال في التجريد، وتداخل البعد المكاني بالبعد الصوفي، وتوقف غجو عند هاجس الكتابة عند الميموني انطلاقا من قصيدة "شرفة لوركا" التي تحتفي بالأندلس بوصفها خلفية مؤصلة ضاربة الجذور في تجربته الشعرية، وبصورة الغجرية التي تجرح الهواء بالعتاب، وتنشر المراوح الخضراء على الأرض، لينتهي إلى العزلة القصوى للميموني أمام الشرفة عن طريق حوار صامت يعبر جسر الصبابة.

أما الجلسة الثانية التي تمحورت حول:"محمد الميموني: سَفَر في القصيدة" والتي أطرتها الأستاذة سلوى مجاهد، فقد ابتدأت بمداخلة الشاعر د.عبد اللطيف شهبون الذي قارب كتاب "في الشعر المغربي المعاصر.. عتبات التجديد" للميموني الصادر عن وكالة شراع منطلقا فيه من طبيعة الكتابة الشعرية والنقدية حيث تنبع الأولى من طبقة شعرية غامضة، بينما تنبع الثانية من طبقة واعية شديدة الوعي، متحدثا عن المنهج الذي اتبعه الميموني في مقاربته للشعر الحديث حيث ربط فيه بين موقف الشعراء وحركية المجتمع، حيث كان الساسة مثقفون، في حين أضحوا اليوم أميّون، كما شكلت الثقافة آنذاك عنصرا موجها يمكن تلمسه من خلال المجلات والمنابر التي صدرت إبان تلك المرحلة.

كما أكد شهبون على مزاوجة الميموني بين التاريخ ومنهج الرؤيا بوصف هذا الأخير نظرة إلى العالم، وتجربة جمالية تحتاج إلى قارئ فطن متمكن، مبينا خصائصه التي تتحقق في اللغة، ليخلص في النهاية إلى أن منهج الرؤيا عند الميموني يتأسس على أشياء محسوسة، وأن قراءته للشعر الحديث يبرزها عنصران: الأول يتعلق بالقصيدة الرؤيوية التي تتجاوز المدونة النقدية الخاصة، في حين ترتبط الثانية بالمادة التراثية بوصفها مادة حية.
أما مداخلة الشاعر والمترجم عز الدين الشنتوف فقد وسمها ب"إبدال المتخيل في الأعمال الكاملة من خلال أول ديوان "آخر أعوام العقم" الذي يؤرخ لمرحلة ما بين الستينيات والسبعينيات لمحاولة إعادة ترتيب شجرة النسب مقابل النقد الذي ساد في تلك المرحلة، نافيا أن تكون الممارسات النقدية تاريخية؛ لأنها لم تتنبه إلى تاريخية القصيدة، متسائلا عن أية ذاكرة شعرية نتحدث؟ فالمتخيل وممكنه يتحدد من خلال عنصر المستمر بوصفه مرادفا للتعدد والتنوع والاختلاف لتعددية القصيدة؛ لأن الناظم الأساس للمتخيل هو ما يسميه الباحث بالتاريخ المنفي؛ أي قانون التركيب وقانون التذويت، متوقفا عند الممكن الذي يصنعه الميموني إزاء كتابة الأثر ضد معادل الموضوعي ورفضه، ليتحدث بعد ذلك عن عودة الشاعر إلى زمن الطفولة بوصفها تركيبا مضاعفا للرحيل، فالتمثل الذي يبنيه الميموني ما هو إلا صيغة مضادة لتفعيل الكلمة، لينتهي الباحث إلى اعتبار فضاء الموت عنصرا لافتا لمحرك الوجود، وحقيقة ثانية للعدم، إن فضاء الموت عند الميموني يحدد ذاته تاريخ يقول الشنتوف" حينما يمارس فضاء الموت على أساس تاريخه يلتقي الشعري بممكنه، ومعنى هذا أن المستمر تشكل لانهائي للقول. لا توجد في القصيدة غنائية الموت، إنه متخيل الحياة والولادة.

وانطلق الشاعر والمترجم مزورا الإدريسي من الأثر الذي راكمه المحتفى به خلال مسيره المتسم بثلاث أنشطة يتكامل فيها الشعر،والنقد،والترجمة، متوقفا عند رهانات قصيدة الميموني التي تتميز بالتعدد، وبلغة شعرية جديدة تفصح عن قلق جمالي حيث تغدو القصيدة بوتقة تنصهر فيها عناصر الكتابة كلها من صور وحكاية ووزن وإيقاع ونثر ورمز.. يضيف مزورا"إن رهان قصيدة الميموني-في تصوري- هو إخراج قصيدة التفعيلة إلى رحابة النثر، بإدراج عناصر سردية في القصيدة، عَبر ردم الهوة بين الشعري والسردي، أي عبر الدفع بالمغامرة الشعرية إلى أقاليم الحكاية، حيث الالتفات إلى تفاصيل الحياة اليومية التي دأبت قصيدة التفعيلة على تناسيها، مفرغة اهتماماتها– في الغالب الأعمّ- في القضايا العامة والشمولية، مشيرا إلى ديوانه الأخير ”موشحات حزن متفائل“ الذي يعتبره تتويجا لهذا المغامرة، لأنه ينهض على منظور شعري أساسه حركة درامية عالية يطبعها الحوار بين الأنا الشعرية والعالم، يحاور الشاعر على إيقاعها ورؤيتها الموتَ مستكنها حقيقته، لأن زحفه يترصد بالكائناتِ جميعها، وأيضا لما فيه من تفكير في الموت بما يفيده من تفكير ضمني في الحياة.

وقد اتسمت الجلسة الأخيرة التي تألق في إدراتها الشاعر والأكاديمي أحمد هاشم الريسوني فرصة للإقتراب من الجوانب الإنسانية لمحمد الميموني من خلال شهادات وكلمات في حق المحتفى به، وقد اعتبر أحمد هاشم الريسوني أن هذا اللقاء يعد بداية أيام دراسية آتية لمجموعة من الأسماء الشعرية اللامعة في المغرب الشعري، مشيرا إلى أن الشاعر الميموني يعتبر علامة في الشعر المغربي الحديث والمعاصر إلى جانب عبد الكريم الطبال، ومحمد السرغيني، وأحمد المجاطي، ومحمد الخمار الكنوني.

وفي شهادته العفوية والصادقة استرجع الشاعر والإعلامي عبد اللطيف بنيحيى علاقة الحميمة بالمحتفى به لكونه محطة ثقافية وتوجيهية في حياته، متحدثا عن الميموني الرجل الذي كانت له أيادي بيضاء عليه في ثانوية محمد الخامس بتطوان، معترفا بصنيعه الذي جعل بنيحيى يطل على العالم عن طريق الشعر والرواية، كاشفا للجمهور النوعي الذي واكب اللقاء عن وصيته بالدفن في طنجة في آخر حوار أجراه معه بإذاعة طنجة، معترفا أن الثقافة لم تشكل خطرا على المغرب حتى في أوج القمع، لينتهي إلى محنة المرض التي مر منها الميموني، والتي لم تكن سهلة حيث تزود فوزية رفيقة دربه من دمها شرايين زوجها.

واختارت الشاعرة وداد بنموسى تقديم شهادة رقيقة مقطرة غاية التقطير، متحملة مشاقة السفر من الرباط لتحية شاعر جاور القصيدة حتى أصبح صورة لها بتعبيرها تقول وداد:"قلما جمعتنا اللقاءات سيدي الشاعر، لنبرهن للعالم أننا قادرين على الانتصار لرهافتها.. طموح المرأة التي تسكنني على الانعتاق، أذكر لك شاعريتك القصوى.. قصيدتك مشتل وارف الأحلام..الحياة وحدها طريق النور.. دمت شاعرا راقيا.. لتهدي للمحتفى به قصيدتين:" لأجل نفسي أنزل إلى قعر نفسي"و"أزين سقف أنوثتي".

وأثار الشاعر والمترجم المهدي أخريف في شهادته قضية التحول الذي تعرفه القصيدة العربية اليوم متسائلا: كيف كانت القصيدة وكيف أصبحت اليوم؟ مجيبا أن القصيدة في المغرب تعرف تغيرا كبيرا يطرح أسئلة متعددة لكنها ظاهرة تشكل صيرورة في العالم.

ليتحدث بعد ذلك عن صلته الشعرية بالميموني، معتبرا أن تجربة هذا الأخير تتميز بنوع من التباث، إنه شاعر مخلص لنمط الإيقاع، لم يخرج عن نمط التفعيلة، وهو الأمر الذي دفع المهدي أخريف إلى القول بأن الميموني شاعر محافظ، بالرغم من تحقيق قصيدته اختراقا كبيرا في العمق، لينتهي إلى أن محمد الميموني يشبه قصيدته تماما.

ولعل شهادة راهب الشعر المغربي الشاعر عبد الكريم الطبال الذي آثر أن تكون محاورة صوفية بين الذاتين عن طريق حكاية مثقلة بالهدير اتجاه صديقه ورفيق عمره الشعري محمد الميموني، يقول الطبال: "كان اللقاء مرة في العرب، ومرة في الجوهر كان اللقاء في مدينة تسكننا معا.. معه انسحرنا في.. يسبقني مرة وأسبقه مرة.. كانت دائما القصيدة هي التي تسبقنا..كنا دائما في السبلق، وفي اللهاث، ولا نتملى إلا رفرفتها.. نفس الجنون.. نفس الهوس.. نفس الشرود إلا عنها.. معتكفين في بيت المعتمد.. في مقهانا المفضلة.. خلال الرحلة بصحبة القصيدة كنا نتزود في كل مرحلة بخير الزاد لمتابعة الطريق الطويل حتى نلحق بظلها أو حتى ذيلها.. وبالتالي لم تكن القصيدة بجوف واحد، ولكن كنا على ملة واحدة هو الشعر..خلال الرحلة كانت علاقتنا الروحية تتعمق، وأظن أن مرد هذا العمق يعود إلى كوامن عديدة، يعود إلى امكان الذي يحتوينا سرا وجهرا والكامن فينا حتى الأعماق، وثانيها أسميه" التقيه" لا أذكر أنني سألته عن الرأي فبها.

كنا معا على طبع واحد، لا أدري تفسيرا لها، إنه طبع الشاعر إلى التوسل بالتقريض، ربما هو طبع نادر، وثالث" الإنتماء السياسي غير الحزبي"، وكان اللقاء الثاني في الوقت الجوهر..إنه الوقت الأجمل الأسعد ألتقي معه قليلا عن بعد في الفضاء والمشهود والرؤيا، هو مشرب بالضوء ملفوف بالصمت، مسكون بالخلوة، هو وقت خافت لا تلتقي به الريح..في هذا الوقت الطائر ينصت أحد في الآخر، يحدقان في كينونتهما.. تتحقق السعادة القصوى، ولا أعني بهذا الوقت إلا القصيدة ..من منا لا يغبط ابن عربي والآخرين على حظوتهم بالمعرفة وقت الرعشة، وقت السكرة..أما كلمة المحتفى به الشاعر محمد الميموني فقد امتزجت فيها الدموع بكلمات التواضع يقول الميموني: ما سيصدر عني ستكون ذاتي غائبة.وأنا لا أستحق..لم أكن أحلم أبدا أنني سأسمع كلاما من ناس لهم مكانتهم الأكاديمية والشعرية والإنسانية.. فقد تبعثرت لي الأوراق..فما كان عندي كله تبعثر..ولست أدري أن أقرأ في كلمات التواضع إنما يخفي شيئا آخر..

المصدر: العرب أونلاين- محمد العناز

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على الشاعر محمد الميموني في مرايا النقد والشهادة بطنجة

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
71699

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

سجل في النشرة الاخبارية في نور الله
أخبار المسلمين الأكثر قراءة
خلال 30 أيام
30 يوم
7 أيام