آخر الأخبارعلم وتقنية › التنقيب المعدني من قيعان البحار إلى الفضاء الخارجي

صورة الخبر: التنقيب المعدني من قيعان البحار إلى الفضاء الخارجي
التنقيب المعدني من قيعان البحار إلى الفضاء الخارجي

فكرة "البحث عن بديل" من أهم عناصر النجاح في الخطط والإستراتيجيات بوجه عام، فماذا نفعل إذا تعثرت رحلتنا بضياع الطريق أو تعطل السيارة؟

وماذا لو نضب النفط؟ وماذا لو نفدت المعادن أو ارتفع سعرها بشكل جنوني؟ ونتحدث هنا عن بدائل المناجم التي توشك أن ترى النور قريبا، فقد دفع الطمع عمالقة شركات التنقيب المعدني إلى الغوص في قيعان البحار والطيران إلى الفضاء بحثا عن الذهب والكوبلت والنحاس والمنغنيز وغيرها من الفلزات.

صُرَيرات الفلزات
وهي أحجار صغيرة دائرية الشكل غالبا متباينة الأحجام، فمنها المجهري، ومنها ما يصل قطره إلى عشرين سنتيمترا على أن أغلب أقطارها تتراوح بين 5 و10 سنتيمترات، وهذه الأحجار الصغيرة راسبة في قيعان البحار والمحيطات، وتحتوي على تركيزات عالية من المعادن الثمينة؛ كأنها صُريرات أو عُقيدات من الكنوز مطمورة تحت البحار تنتظر من يكتشفها ويقتنيها.

وللعلماء نظريات في طريقة تكونها كالترسيب والتحلل المائي وتبرد حمم البراكين وغيرها، ولكن جودة المعادن المكتشفة تؤكد أنها تكونت ببطء شديد، فهي مطبوخة على نار هادئة.

وتقدر بعض الإحصاءات أن صريرات الفلزات تغطي ما يقارب 70% من قيعان جميع البحار والمحيطات، على أن الباحثين يتفقون أن أغنى منطقة بها هي المنطقة الاستوائية من المحيط الهادي الواقعة بين هاواي وأميركا الوسطى، وتعرف باسم "كاليريون-كليبرتون زون"، وتقدر مساحتها بنحو خمسة ملايين كيلومتر مربع، وتحوي ما يقارب 27 مليار طن من الصُريرات. ومن هذه المنطقة وحدها يمكن تصفية ثلاثمائة مليون طن من النيكل على أقل تقدير، فما بالك بالمعادن الأخرى؟!

كباريت الفلزات
أما كباريت الفلزات، فهي فلزات متحدة مع الكبريت تترسب في قيعان البحار في مناطق نشاط الألواح التكتونية، حيث إنه عند تصادم لوحين أو تباعدهما ترق القشرة الأرضية فتندفع الماغما (السائل الصخري الملتهب في باطن الأرض) مكونة ما يشبه المدخنة، وتنبعث منها تيارات كبريت حارة (مثل حمامات الكبريت) تترسب على جدران المدخنة والقاع القريب عند ملاقاتها ماء البحر البارد.

وهذه الكباريت غنية بالرصاص والزنك والنحاس والفضة والذهب. وقد اكتشفت الكباريت عام 1979 على عمق 3700 متر، والعجيب أن كائنات حية تعيش في تلك البيئة المظلمة والحارة، فسبحان الخالق! منها ديدان يصل طولها إلى مترين، وليس لها جهاز هضمي، وتعيش في بيئة موبوءة بكبريت الهيدروجين السام للكائنات الحية العادية.
وتصل تقديرات كباريت الفلزات إلى مائة مليون طن من المعادن الثمينة، ولعل أكبر كنز معلوم منها هو "أتلانتس 2 ديب" في البحر الأحمر الذي يقدر محتواه من الفضة الخالصة بأربعة آلاف طن وخمسين طنا من الذهب، ناهيك عن النحاس والزنك والرصاص.

ومهما تنوعت صيغ هذه فإنها لآلئ راسبة في القاع كما قال الشاعر:
زبـد البحر تراه طافيا واللآلئ الغُرّ في القعر رُسُب

التنقيب في القيعان
هذه الكميات الهائلة من المعادن الثمينة "المشاعة" أسالت لعاب الشركات الكبرى، فبدأت سباقا محموما لرسم وتنفيذ آليات تضمن الوصول إلى هذه الكنوز قبل أن يستنفدها المنافسون والخصوم.

تسابق القانون والهندسة ففاز القانون، حيث أنشئت هيئة دولية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة تسمى "السلطة الدولية لقيعان البحار" وذلك سنة 1994. واليوم، بعد عشرين عاما، ما زال المهندسون يدرسون أنجع السبل للوصول إلى إلى هذه الكنوز المطمورة، وليس ذلك خدشا في كفاءتهم ولكنه مؤشر على جسامة المهمة وحجم التحدي.

فالخياران البارزان هما إنشاء مصانع متكاملة طافية تستخرج وتعالج وتصفي هذه المعادن، أو استخراجها وشحنها إلى اليابسة لاستكمال الاستخلاص. فالخيار الأول يتيح إمكانية التنقل وهي ميزة -أي ميزة- ولكن التكلفة المادية باهظة جدا لا تكاد تبرر الخيار فضلا عن التحديات التي ستتكشف أثناء التجربة والمحاولة.

أما الخيار الثاني، وإن بدا أقرب للمألوف ففيه صعوبات لا يستهان بها، فآلية الوصول إلى القاع ورفع الخامات لا تختلف كثيرا عن المصانع الطافية، ثم تأتي تكاليف إنشاء مصانع على اليابسة وما يرتبط بها من استثمار.

وفي كل الأحوال، فإن الأمم ذات الشوكة قد تداعت على قيعان البحار وتقاسمتها كما تقاسمت اليابسة قبل قرن من الزمن، بيد أن ثمة دولا صغيرة تظهر أعلامها على خارطة القيعان إما لطموحها وتحالفها مع دول كبرى كما فعلت سلوفاكيا التي دخلت من بوابة روسيا أو لوقوع هذه الدول جغرافيا في دائرة التنقيب كما هي حال مملكة تونغا مثلا.

السلطة الدولية
أنشئت السلطة الدولية لقيعان البحار عام 1994، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة تتولى الرقابة القانونية و"الأخلاقية" على قيعان البحار، فتصدر تراخيص الاستغلال وتشترط الشروط وتضع الضوابط. ولعل أهم محرك فيها هيئتها الاستشارية المسماة "اللجنة القانونية والفنية"، وهي مجموعة من الخبراء (25 خبيرا حاليا) في مجالات القانون والبيئة البحرية وعلوم الأرض والبحار والمعادن، فبناء على توصياتهم تتخذ السلطة قراراتها وترسم سياساتها.

وترتبط سلطة قيعان البحار اليوم بمعاهدات تنقيب -مدة كل منها 15 عاما- مع الكثير من الشركات الوطنية والتجارية، تحدد المعاهدة النطاق الجغرافي لنشاط الشركة وتضع شروطا للتنقيب، مثل ضرورة احترام البيئة البحرية ومراقبة التلوث وغير ذلك، ومن بين الشروط التنازل عن نصف المساحة المستغلة لصالح السلطة، وكذلك رصد نصف عائدات الاستغلال لإقامة مشاريع تنموية في البلدان النامية.

موقع العرب
ما زالت الفرصة مهيأة للعرب للغوص في قيعان البحار، فحتى الساعة ينحصر الحضور العربي إجمالا في مستشارين في اللجنة القانونية والفنية بتشكيلتها الحالية. فيمكن للمستثمرين والشركات الكبرى حجز مساحات من قيعان البحار للتنقيب فيها واستغلالها، وخاصة البحر الأحمر الذي هو بحر يحيط به العرب من كل الجهات، ويحوي أفضل الكنوز وأقربها وأسهلها استخراجا.

ثم يستطيع العرب الاستفادة من سلطة قيعان البحار بإقامة برامج تدريبية للشباب في مجالات كثيرة مثل ما فعلت -وتفعل- دول مثل الهند ونيجريا والبرازيل.

ومن قيعان البحار يتجه آخرون إلى التنقيب في الفضاء رغم أنه أبعد منالا، ساعين إلى ما يعرف بالكويكبات القريبة من الأرض لكثافة صخورها وارتفاع تركيز المعادن النفيسة فيها.

ولا يخفى أن التحدي هنا أعظم ليس من حيث صعوبة الوصول وتكلفته فحسب، بل من حيث التأثير على استقرار الكويكب. فهل سيؤدي استخراج المعدن من الكويكب إلى خفض كتلته بشكل يؤثر على اتزانه وخروجه عن مداره؟ وهل يؤدي ذلك إلى اصطدامه بالأرض مثلا وما قد ينتج عنه من كوارث؟ أم هل تُختار الكويكبات أولا ثم تُوجه مداراتها لتقترب من الأرض رويدا رويدا قبل استغلالها؟ وهذ الخيار ربما يناسب الكويكبات الصغيرة التي يقل قطرها عن كيلومتر واحد.

إنها أسئلة كثيرة هي أقرب إلى الخيال العلمي، ولكن شركتين أميركيتين اقتحمتا هذا المجال وشرعتا في برنامج طموح لجمع عينات صخرية من الكويكبات القريبة من الأرض، والتي يعرف منها اليوم ما يقارب تسعة آلاف.

وتقديرا للثروة الكامنة في الكويكبات، تقدر إحدى الشركتين (وهي ديب سبيس إندستريز) أنه على افتراض أن 10% فقط من الكويكب الذي اقترب من الأرض في فبراير 2013 كانت معادن نفيسة فإن قيمتها الخام لن تقل عن 130 مليار دولار. وقد كان ذلك الكويكب صغيرا جدا لا يتجاوز قطره أربعمائة متر، فكيف بالكويكبات الأكبر؟

وفي كل الحالات، يبدو الطمع المحرك الأساسي الذي يدفع الإنسان للغوص في قاع البحر أو الطيران في الفضاء، ولكن الطريق يمر بالعلم والتقنية، فالعلم هو سبيل النفاذ من طبقات الجو إلى الفضاء الخارجي ومن لجج البحار المظلمة إلى القاع تحتها.

ولئن مكن العلم الحديث من اختراق الماء والهواء، فإن التحدي الذي تشير إليه الآية الكريمة "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ" (الرحمن: 33) يظل قائما وسيبقى كذلك ما دامت السماوات والأرض.

وذلك أن اختراق قطر الأرض وحده (حوالي 12756 كيلومترا في خط الاستواء) من المستحيل، فأعمق حفر وصل إليه الإنسان لا يصل إلى عشرين كيلومترا، والحرارة والضغط الهائلين في باطن الأرض كفيلان بإذابة آلات الحفر. وهذا مثال واحد في حالة واحدة هي الأقرب لنا، فكيف بقطر المجموعة الشمسية وقطر مجرتنا أو الطريق اللبني أو سكة التبانة؟

المصدر: الجزيرة

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على التنقيب المعدني من قيعان البحار إلى الفضاء الخارجي

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
80082

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

سجل في النشرة الاخبارية في نور الله
أخبار المسلمين الأكثر قراءة
خلال 30 أيام
30 يوم
7 أيام