الشيخ عطية صقر
في هذا التوقيت من كل عام تتكرر الأسئلة عن حكم الاحتفال بشم النسيم، ومدي شرعيته وهل يجوز الأحتفال به أم لا وحول هذا الموضوع نقوم بعرض أراء العلماء والمشايخ حول هذا الأمر. فعندما سئل الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا عن حكم الاحتفال بشم النسيم قال :
كان شم النسيم عيدا فرعونيا يتعلق بالزارعة ثم جاءته مسحة دينية، وصار مرتبطًا بالصوم الكبير وبعيد القيامة، وعلى المسلمين أن يتمسكوا بالطاعة، وألا يقلدوا غيرهم في احتفال، ولقد شرع لنا الله عز وجل أعيادنا، وشرع لنا كيفية الاحتفال بها، فلا حاجة لنا في تقليد غيرنا في أعياده التي يختلط فيها الحق والباطل والحرام بالحلال.
ومما لاشك فيه أن التمتع بمباهج الحياة من أكل وشرب وتنزه أمر مباح ما دام في الإطار المشروع، الذي لا ترتكب فيه معصية قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } [سورة المائدة: 87] وقال: { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } [سورة الأعراف: 32]. ، لكن هل للتزين والتمتع بالطيبات يوم معين أو موسم خاص لا يجوز في غيره، وهل لا يتحقق ذلك إلا بنوع معين من المأكولات والمشروبات، أو بظواهر خاصة؟
وأضاف صقر: إن الإسلام يريد من المسلم أن يكون في تصرفه على وعي صحيح وبُعد نظر، لا يندفع مع التيار فيسير حين يسير ويميل حيث يميل، بل لا بد أن تكون له شخصية مستقبلة فاهمة، حريصة على الخير بعيدة عن الشر والانزلاق إليه، وعن التقليد الأعمى، لا ينبغي أن يكون كما قال الحديث "إمعة" يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن يجب أن يوطن نفسه على أن يحسن إن أحسنوا، وألا يسئ إن أساءوا، وذلك حفاظًا على كرامته واستقلال شخصيته، غير مبال من هذا النوع فقال "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" رواه البخاري ومسلم.
فلماذا نحرص على شم النسيم في هذا اليوم بعينه والنسيم موجود في كل يوم؟ إنه لا يعدو أن يكون يومًا عاديًا من أيام الله حكمه كحكم سائرها، بل إن فيه شائبة تحمل على اليقظة والتبصر والحذر، وهي ارتباطه بعقائد لا يقرها الدين، حيث كان الزعم أن المسيح قام من قبره وشم نسيم الحياة بعد الموت.
ولماذا نحرص على طعام بعينه في هذا اليوم، وقد رأينا ارتباطه بخرافات أو عقائد غير صحيحة، مع أن الحلال كثير وهو موجود في كل وقت، وقد يكون في هذا اليوم اسوأ منه في غيره أو أغلى ثمنًا.
إن هذا الحرص يبرر لنا أن ننصح بعدم المشاركة في الاحتفال به مع مراعاة أن المجاملة على حساب الدين والخلق والكرامة ممنوعة لا يقرها دين ولا عقل سليم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس" رواه الترمذي ورواه بمعناه ابن حبان في صحيحه.
ويقول الشيخ فرحات المنجى من علماء الازهر : إن العيد اسم لكل ما يعود ويتكرر ، والأعياد توجد لدى كل الأمم سواء
أكانت كتابية أم وثنية أم غير ذلك ، وذلك لأن إقامة الأعياد ترتبط بغريزة فكل الناس يحبون أن تكون لهم مناسبات يحتفلون فيها ويتجمعون ويفرحون .
وقد دل قوله صلى الله عليه وسلم : " إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " على اختصاص المسلمين بهذين العيدين لا غير وأنه لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بالكفار والمشركين في شيء مما يختص بأعيادهم ، لا من طعام ولا من لباس ، ولا إيقاد نيران ولا عبادة .
المسلمون ليس لهم إلا عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى لما جاء عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ . " وهذان العيدان هما من شعائر الله التي ينبغي إحياؤها وإدراك مقاصدها
واستشعار معانيها .والله المستعان .
ويؤكد الدكتور أحمد عبدالرحيم السايح أستاذ الفلسفة بجامعة الأزهر أن عيد شم النسيم من أعياد الفراعنة، ثم نقله عنهم بنو إسرائيل، ثم انتقل إلى الأقباط بعد ذلك، وصار في العصر الحاضر عيداً شعبياً يحتفل به كثير من أهل مصر من أقباط ومسلمين وغيرهم.
وقد نقل بنو إسرائيل عيد شم النسيم عن الفراعنة لما خرجوا من مصر،حيث خرجوا مع موعد احتفال الفراعنة بعيدهم مصادفة ،واحتفلوا بالعيد بعد خروجهم ونجاتهم، وأطلقوا عليه اسم عيد الفصح، والتى تعنى بالعبرية الخروج أو العبور، واعتبروا هذا اليوم رأساً لسنتهم الدينية العبرية تيمناً بنجاتهم وبدء حياتهم الجديدة.
وهكذا انتقل هذا العيد من الفراعنة إلى اليهود، ثم انتقل عيد الفصح من اليهود إلى النصارى وجعلوه موافقاً لما يزعمونه قيامة المسيح، ولما دخلت النصرانية مصر أصبح عيدهم يلازم عيد الفراعنة ويأتى دائماً في اليوم التالي لعيد الفصح أو عيد القيامة.
وعلى علماء الدين أن يحذروا المسلمين من مغبة الاحتفال بعيد شم النسيم، أو مشاركة المحتفلين به وحث الناس على إنكاره ورفضه حتى لا يكون الدين غريباً بين المسلمين.
فكثير من المسلمين في مصر يحتفلون بهذا العيد ولا يعرفون حقيقته وأصله، وحكم الاحتفال به، وبعضهم يعرف حقيقته، ولكنهم يقللون من خطورة الاحتفال به ظناً منهم أنه أصبح عادة وليس عبادة، وحجتهم أنهم لا يعتقدون فيه ما يعتقده الفراعنة أو اليهود والنصارى، وهذا فهم خاطئ فإن التشبه في شعائر الدين يؤدي إلى الكفر سواء اعتقد المتشبه بالكفار في هذه الشعيرة ما يعتقدون فيها أم لم يعتقد؟
mohamed abdelsalam22 أبريل, 2009
لدي سؤالين .. أنا أصلاً من شمال العراق هناك بعض الأعياد موروثة من الجاهلية كعيد نيروز الموروث عن المجوس، ما حكم الإسلام في هذه الأعياد، هل يجوز للمسلم أن يبارك في مثل هذه الأعياد؟
السؤال الثاني هل يجوز مباركة أهل الكتاب في أعيادهم خصوصاً ونحن في دولهم؟
القرضاوي
هذه الأعياد العلماء نصوا على كراهية الاحتفال بمثل هذه الأعياد، ولكن إذا احتُفل بها دون دخول في طقوس أو شيء من هذا ومجاراة للآخرين، مثل في مصر عيد شم النسيم، هو ليس عيداً إسلامياً هو يوم من أيام الربيع احتفالاً بالربيع والنيروز أيضاً احتفال بقدوم الربيع لا مانع من الاحتفال بهذا على ألا يدخله المعنى الديني.
المقدم
ولكن ألا يتنافى هذا مع أن الله جعل للمسلمين عيدين؟
القرضاوي
هذا لا نقول عنه عيداً، نحن عندنا عيدان فقط ولذلك حتى الآن تجد البلاد الإسلامية تعمل يوم وطني ولا نسميه عيد الوطن أو عيد الاستقلال وإنما هو يوم الاستقلال أو اليوم الوطني للدولة الفلانية، فلا نسميه عيداً إنما هو يوم بسبب معين استقلت فيه الأمة أو انتصرت فيه الدولة على أعدائها مثل يوم انتصار الثورة الجزائرية على فرنسا، لا مانع من ذلك لتذكر نعمة الله والله تعالى يقول (اذكروا نعمة الله عليكم).
بالنسبة لتهنئة أهل الكتاب بأعيادهم أولاً بالنسبة للأخ الذي سأل هل هم أهل كتاب أم لا؟ الأصل أنهم أهل كتاب فهم يعتبرون أنفسهم مسيحيين ويحتفلوا بالأعياد المسيحية صحيح أن كثيراً منهم لا دين له إنما المظهر العام أنهم مسيحيون، وبعض البلاد تنص على الدين وعلى المذهب أنها كاثوليكية أو بروتستانتية ولا يزال هناك صراع بين الإيرلنديين والإنجليز من أجل أن هؤلاء كاثوليك وأولئك بروتستانت، فهم الأصل أنهم أهل كتاب.
ويجوز أن يهنئهم الإنسان بأعيادهم إذا كان هناك صلة معينة، الإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج من كتابية، هل يجوز ألا يقول الواحد لزوجته في عيدها كل سنة وأنت طيبة، أو الولد لا يهنئ أمه إذا كانت كتابية، أو جده أو جدته أو خاله أو خالته، أو أولاد خاله أو أولاد خالته، فلهم صلة الرحم، كذلك لو كان الواحد في بلاد الغرب ومشرفه أو زملاءه في الدراسة أو جاره وهم في أعياد المسلمين عيد الفطر مثلاً يأتي أحدهم ويقول لك عيدك مبارك أو في عيد الأضحى والله تعالى يقول (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) لا ينبغي أن يكونوا هم أكرم منا خُلُقاً وأسمح نفساً، فإذا كان هذا من البر فالله تعالى لم ينه أن نبرهم (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) ولكن لا ندخل في طقوسهم، لا ندخل فيما يفعلون من أشياء مخالفة حتى للدين المسيحي نفسه، نحن نهنئهم ولا نتجاوز ذلك فقط