|

ملف وقضيةالحج والعمرة › الحج و وحدة المسلمين

الحمد لله .. (( فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) (1 سورة فاطر) .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله .. خير من صلى وقام وأفضل من حجَّ وصام .. بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسلمياً كثيراً .

أما بعد .. فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - سبحانه - والالتزام بشرع الله سراً وعلانية والاستقامة على دينه ، والعض على سنن المصطفى – صلى الله عليه وسلم – بالنواجذ .. وإياكم والشذوذ والاختلاف والفرقة ؛ فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار : (( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً )) (115 سورة النساء) .

حجاج بيت الله الحرام : رمزٌ خالد وبناءٌ شامخ وقبلةٌ للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .. تطاول الزمان وتتعاقب عليها الأجيال زمناً بعد زمن وفوجاً إِثر فوج .. إنها الكعبة .. البيت الحرام - يارعاكم الله – .. هذا البنيان التاريخي الذي كان دوحةً عند الزَّمزم لا يراها إلا أمٌّ رؤوم هاجرت بطفلها الرضيع في وادٍ غير ذي زرع لا أنيس به ولا ماء ولا شيء ، يحفظهما الله بعنايته وبرعايته ليجعل من هذه الهجرة موطناً وبناءً تهوي إليه أفئدة الناس مشرئبةً إلى عرصاته ومناسكه لتبدأ مرحلة البناء من الصفر حتى تصل إلى هذه الملايين .. نعم .. لتبدأ من عناء السفر ومشقته ولأوائه وشدته : مفاوز وقفار .. فيافي وبحار .. طريقٍ غير آمن وعودةٍ غير مضمونة .. أسفارٍ غامضة يغلب على الظن عدم السلامة فيها .. سهولٌ وهضابٌ سلكها أنبياء ورسل الباري – جل شأنه – نعم .. أنبياءٌ ورسل قد رفعوا أصواتهم بالتلبية لباريهم وخالقهم – جل وعلا – استجابةً لدعوة أبيهم إبراهيم التي أمره الله بها بقوله : (( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ )) (27 – 28 سورة الحج) .

إن هذا الموسم العظيم ليذكرنا بكليم الله موسى – عليه السلام – وهو ينحدر من الوادي حاجاً يلبي لخالقه ومولاه : لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك . لا شريك لك .. هذه التلبية العظيمة التي يقول عنها النبي – صلى الله عليه وسلم - : " ما من ملبٍّ يلبِّي إلا لبَّى ما عن يمينِه وشمالِه من حجرٍ أو شجرٍ أو مدر حتى تنقطعَ الأرضُ من هاهنا وهاهنا " رواه ابن ماجة . . قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : " أمَّا موسى كأنِّي أنظر إليه إذا انْحدَر في الوادي يلبِّي " رواه البخاري ومسلم .

نعم حجاج بيت الله الحرام .. إن هذا الموسم العظيم ليُذْكي لنا أطياف الأنبياء وهم يتجردون لله حاجِّين مهلِّلين وملبِّين.. فقد روى البيهقي في سننه عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : " حجَّ موسى بن عمران في خمسين ألف من بني إسرائيل وعليه عباءتان قطوانيتان وهو يلبي " .. وروى البيهقي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : " صلى في (مسجد الخيف) سبعون نبيًّا " .. وجاء عن عروة - عند البيهقي أيضاً - : " ما من نبيٍّ إلا وقدْ حجَّ البيت " .

إن هذه الأطياف لَتربِط حاضرنا بماضينا وتذْكِي مشاعر الفخر والاعتزاز بهذا الدين وبقبلة المسلمين العامرة ، ولن يكون هذا نهاية المطاف .. فإن الأجيال ستتعاقب على بلوغه والتلبية والتهليل على عرصاته ، وكأن طيفا يداهمنا حينما نذكر قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي بيدِه لَيُهِلَّنَّ ابن مريم بفجِّ الرّوحاء حاجاً أو معتمرا .. " الحديث رواه مسلم .. وحج عيسى – عليه السلام – سيكون بعد نزوله آخر الزمان .

إنه البيت المعمور – عباد الله – البيت المعمور الذي لا ينقطع عنه المصلون ولا الطائفون ولا الساعون ولا الملبون .. له في كل لحظة عمار وتهفو إليه في كل ثانيةٍ أشواقٌ وأفئدة .. محفوظٌ محميٌ بحفظ الله وحمايته .. ردَّ الله عنه كيد أبرهة فجعله في تضليل ، وأرسل عليه طيراً أبابيل ليكون آيةً وعبرةً لكل من همَّ بالكيد في بيته أو الإلحاد في حرمه : وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25 سورة الحج) .

روى الحاكم وصححه ، عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال : " أقبل تُبَعٌ يريد الكعبة حتى كان بكراع الغميم ؛ فأرسل الله عليه ريحاً لا يكاد القاعد منها يقوم .. فإذا قام سقط وصُرِع ؛ فدعا تُبَّع أحباره وقال لهم : ما هذا الذي بُعث عليّ ، قالوا : تؤمِّننا ؟ قال : أؤمنكم ، قالوا : فإنك تريد بيتاً منعه الله ممن أراده ، قال : فما يُذهِب هذا البلاء عني ؟ قالوا : تتجرَّد في ثوبين ثم تقول : لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك ، ثم تدخل فتطوف فلا تهيِّج أحداً من أهله ، قال : فإن أنا أجمعت على هذا ذهب عني الريح وذهب عني العذاب ؟ قالوا : نعم ؛ فتجرد لله ثم لبَّى فأدبرت الريح كقِطَع الليل المظلم .
حجاج بيت الله الحرام : إنكم قد تلبَّسْتم بنسكٍ تُذْكَى فيه الأجواء الروحانية وتُستنشَق من خلاله نسماتٌ إيمانية تجعلكم من الله أقرب وعن معصيته أبعد .. تلامسكم أنفاس الأُخوة والعدل والمساواة ، سَتُناجون في هذا النسك ربكم بلغاتٍ مختلفة لا تشغله لغةٌ عن لغة ولا لسانٌ عن لسان ولا دعاءٌ عن دعاء ، بل يجيب دعوة هذا ويغفر زلة ذاك ويرى دمعة هذا ويسمع همس ذاك : (( إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ... )) (5 سورة آل عمران) .

حجاج بيت الله : لِنجعلْ من الحج نقطة انطلاقة لترجمان حكمه وأسراره بين المسلمين في شتى الأقطار .. لِيحْملْ كل حاجٍ منا في نفسه معنى الوحدة والتلاحم والتآخي والعدل مهما اختلفت الألسن والألوان .. قد يكون من الصعب بمرةٍ أن يصبح حاكم المسلمين واحداً وسلطاناً متفرداً عليهم جميعاً في أرجاء المعمورة ، بل إن هذا من العسر بمكانٍ إلا ما شاء الله .. ولكن المسلمين جميعاً غير عاجزين أن يكون الوحي هو سلطانهم جميعاً متمثلاً في كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – لنحقق بهذا قول الباري : (( ... لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ... )) (28 سورة الحج) ؛ إذ أيُّ منفعةٍ أشدُ من التعارف والتآلف برابط الكتاب والسنة : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً )) (136 سورة النساء).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين والمؤمنات من كل ذنبٍ وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .


عدد المشاهدات: 940
تاريخ المقال: Sunday, September 6, 2015
التعليقات على الحج و وحدة المسلمين

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
48259

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

سجل في النشرة الاخبارية في نور الله
أخبار المسلمين الأكثر قراءة
خلال 30 أيام
30 يوم
7 أيام