|

ملف وقضيةشهر رمضان (ملف خاص) › ادفع بالتي هي أحسن

نحن خارجون من رمضان، وعيد الفطر "تقبل الله طاعتكم" وهي أيام مباركة، وأيضًا أيام صعبة على ميزانية الأسرة، وتكون من المناسبات التي تثور فيها نقاشات ممتدة عن النواحي المادية في بيوتنا من.. ماذا.. وكم.. وكيف.. ينفق؟
والموضوع يحتاج إلى تأمل ونقاش نحاول هنا فتح أبوابه:

هل القوامة نفقة؟

"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ "[النساء:34] مفهوم القوامة، ومعاني وتجليات هذه الآية مسائل تحتاج إلى إمعان نظر، وطول تقليب:
* هل القوامة مرتبطة شرطيًا بالنفقة إذا قلت الثانية أو اختلت زالت الأولى أو نقصت؟!
* ما حدود النفقة المطلوبة من الرجل، وهل تختلف في حالة عمل الزوجة خارج البيت، وهو ما يحدث بإذن الزوج، وعلى حساب راحة المرأة، ووقتها وتفرغها للأسرة مقابل دخل مادي قد يكون أضعاف ما يكسبه الرجل؟!!
* هل المرأة العاملة في بيتها متفرغة له طوال الوقت هي عنصر مستهلك لا يُضيف إلى دخل الأسرة شيئًا رغم أنها بعملها هذا توفر أموالاً كثيرة خاصة إذا كانت تجيد الطهي، وتقوم بترتيب المنزل؟!
الحوار في بيوتنا لا ينتهي، والجدل مستمر داخل الدوائر الفقهية التي انقسمت بين اجتهادات لا نرى أن الحل الكامل في إحداها ، وفي ساحات المحاكم.. والتحولات التي طرأت على مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة زادت من هذه الحوارات. ومن كل هذا الجدل الذي لم يحسم يهمنا هنا في هذا المقام أن الطرفين-نفسياً- يشعران بعدم الرضا: المرأة ترى خروجها للعمل حقًا مترتبًا على حصولها على الشهادات الجامعية، وترى أن هذا الخروج ممكن مع القيام بواجبات البيت والأسرة. وبالتجربة تشعر أنها مشتتة ومنهكة، وتضحي بالكثير في طاحونة الحياة اليومية الصعبة داخل البيت وخارجه. والمرأة التي تفرغت لبيتها تشعر بأنها لم تحقق كامل ذاتها خاصة بعد أن يكبر الأولاد، وتكبر هي دون أن تحقق إنجازات "خاصة" وفردية.
والرجل يشعر بأنه مظلوم: قوامته مهددة، ورعاية زوجته له ناقصة، ويرى أنه تحول لماكينة صرف وتمويل لبيت لا يشعر فيه بالراحة والرعاية التي كان يشعر بها في بيت أبيه وأمه مثلاً.
والأمر متشابك لا يمكن فيه مناقشة عمل المرأة دون الحديث عن القوامة(ولها حديث مستقل قريباً)، والأهم أنه لا يمكن مناقشة هذه وتلك دون التطرق إلى التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عشناها ونعيشها، ولا ينعزل هذا عن التعرض لثورة التطلعات ما هو مشروع منها، وما هو مدمر يتعارض مع بنية الأسرة واستقرارها.


فن التدبير

قد تختار الزوجة أن تساهم في نفقات البيت من دخل عملها أو مالها الخاص أيًا كان مصدره، ولكن يبقى تدبيرها في الإنفاق هو الأهم بالنسبة لدورها كراعية في بيت زوجها.
والتدبير في النفقة فن وتفنن، ونستطيع أن نرى طبقات واسعة تعيش حياة معقولة ليس بسبب ارتفاع دخلها، ولكن بسبب تدبير أمورها مما لا يقتصر على المجتمعات الفقيرة كما قد يتبادر إلى الذهن، ولكن أهل "أوروبا مثلاً" يمكن أن يكونوا أكثر تدبيرًا وحكمة في إنفاقهم للمال في وجوه متعددة تعود بالنفع والمتعة بأرخص الأسعار. الادخار والتوفير يكون في القليل والكثير، والتبذير كذلك إنما هو خُلق لا يتعلق بحجم الدخل، وإنما بنمط التفكير والسلوك.
والاعتدال بين هذا وذاك هو المطلوب، ولكن الاعتدال نفسه يحتاج إلى بعض التحديد:
البعض يتحدث عن الضروريات والتحسينات والكماليات بوصفها مستويات ثلاثة لحاجات الناس في معايشهم. وآخرون يتحدثون عن الكفاف والكفاية والترف كدوائر وأحوال قد تمر على الإنسان أو المجتمع، وتختلف معالمها من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان.
التوجيه بالتخفف من الدنيا وزينتها ومتاعها هو توجيه عام يختلف الناس في فهمه، والتفاعل معه، وهو من أهم معالم مسئولية الاختيار المنوطة بالبشر أشار إليها الرسول حين قال: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع وذكر منها: "وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه" ولا ينفصل التدبير عن بقية نواحي السلوك ومكونات الشخصية؛ فالإنسان المدبر يكون غالبًا أكثر حرصًا وتدقيقًا في كلامه وتصرفاته، وأكثر نظامًا في حياته وأنشطته على عكس الإنسان المبذر الذي تتسم بقية سلوكياته بأنواع من الفوضى، وعدم الانضباط، أو اللامبالاة وعدم الاكتراث.

وتقليم الأظافر فن أيضًا

قد ترى "حواء" أن أموالها - من عملها أو غيره - حرمٌ مقدس لا ينبغي الدخول إليه أو التصرف فيه بينما أموال زوجها هي الكلأ المباح والمستباح "بحكم أن النفقة واجبة شرعًا" فترتع في هذا الكلأ دون أي محاولة لضبط النفس خاصة وفي موروثنا الذهني والشعبي العام أن الرجل مثل الطير إن لم تعكف المرأة على نزع ريش أجنحته الزائد بالإنفاق من ماله، وزيادة عياله، وإن لم تعكف على تسمينه وإطعامه فتثقل حركته ويتكور "كرشه" فإنه يوشك أن يطير بعيدًا.
هذه النظرية يثبت فشلها غالبًا خاصة في عصرنا هذا حيث لم تعد إقامة علاقة خارج الزواج، أو حتى الدخول في زواج ثانٍ وثالث بالكلفة التي كانت في الماضي، فعمل المرأة وتعليمها سلاح ذو حدين، والمرأة "الأخرى" قد لا تطلب من النفقة والصحبة إلا أقل القليل، ويجد الرجل نفسه أمام اختيار لطيف وخفيف لا يرهقه بالمطالب، ولا يزعجه بالمشاغبات وحديث الحقوق والواجبات، وتصبح الصيغة الأسهل مريحة على ما فيها من مشكلات تظهر "فيما بعد" من جوانب أخرى غير النفقة.
فكرة ضمان ولاء الطرف الآخر ومحبته بربطه وتقييده بإعضاله وإرهاقه بالمطالب قد تأتي برد فعل عكسي حين يحاول الخروج من حالة الضغط هذه إلى علاقة أخرى قد تبدو مريحة، وإن كانت خادعة، بل ومدمرة أحيانًا.
التفتيش في جيوب الزوج، وحساباته البنكية، أو إجبار الزوجة على المشاركة في نفقات المنزل ليس هو الأنسب في علاقة تقوم أساسًا على الضمير، ومراقبة الله.
مراقبة البشر تضعف وازع التقوى التي هي في الأساس علاقة بين العبد وربه.
     

الفضل أولـى

رغم أنه لا يوجد حل نهائي إلا أننا نعتقد أن تقديم الفضل هو العلاج الأمثل،وهو الكلمة المحورية في الأمر برمته، وليس للفضل حدود ولا ملامح محددة، وهو مرتبط بالعلاقة مع الله قبل أن يكون بذلاً تجاه أحد، وهو الأصل في العلاقة الزوجية.
وصاحب الفضل يستريح من القيل والقال في مسائل الإنفاق والأموال وهي من أهم أسباب خراب البيوت في مجتمعاتنا.
منطق الفضل يرتفع فوق موازين العدل، وحسابات الربح والخسارة ولا يسأل: ما قيمة التضحية إن لم يقدرها الطرف الآخر؟
ويرتفع إلى مستوى "إن لم يكن الآخر للمعروف أهلاً، فأنا له أهل". والفضل المرتبط بردود الأفعال فضل قاصر يختلف عن الفضل المطلوب والمتوقع من أكابر الناس من أمثال أبي بكر الصديق الذي عاتبه الله سبحانه بقوله: "وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" [النور:22]، حين هم بوقف عطائه عمن خاض في عرض ابنته "عائشة" في حادثة الإفك، وأمره بتحرير فضله على الناس من أفعالهم، وردود أفعالهم. وهو المعنى الذي أكده الرسول صلى الله عليه وسلم في صلة الرحم حين قال: "ليس الواصل بالمكافئ، أي الذي يصل من يصله ويقطع من قطعه، ولكن الواصل من يصل من قطعه".
وعند الحديث عن الفضل أجد نفسي متوجهًا بالمطالبة إلى الرجال أكثر" بما فضل الله بعضهم على بعض".
فهم -ربما بهذا الفضل في النفقة وغيرها- أسند الله إليهم القوامة، ولا يقلل هذا من نصيب النساء في محيط حركتهن وعملهن في تدبير شأن الأسرة "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" [المطففين:26]

نصائح عملية

-يا أختي "حواء" الصورة الذهنية المستقرة عنكِ، أنكِ صمام الأمن الاقتصادي والمعنوي في الأسرة فكوني كذلك.
-مال زوجك هو مال أسرتك، والله هو الرقيب عليك على كل حال، والتخفيف من النفقات أولى، وإن كان أصعب في زمن يبدو فيه الشراء والاستهلاك جزءًا من تحقيق الذات تحت شعار "أنا اشتري إذن أنا موجود"!!
-أبواب الإنفاق لا تنفد، والسلع مغرية وجذابة؛ وبالتالي يحتاج التدبير إلى إرادة أقوى، ومهارة أعلى من ذي قبل.
-مساهمتك في النفقة - إن كان لديك مال- فضل تتفضلين به على نفسك قبل أسرتك، وتدبيرك في مال زوجك يشعرك ويشعره بالحرص المتبادل على هذه الأسرة، ويُطمئن القلوب أن أمور الداخلية والاقتصاد -وهما عصب أية دولة- في أيدٍ أمينة.
-لا تشتري أية سلعة دون السؤال عليها في أكثر من متجر، والتحري عن الأجود والأرخص، استفيدي من مواسم التنزيلات وعروض التخفيضات في شراء ما يلزم استخدامه لا تخزينه في الصناديق والدواليب.
وحين تتفاخر الأخريات بالمقتنيات المادية احمدي الله على العافية والستر، وتفاخري - إن شئت- بالأدب والعلم وحسن الخلق فبهم وبمعالي الأمور يتحقق الناس وينبغي أن يتفاخروا.
أما أنت يا "آدم" فعيب عليك أن تعتبر أن لك حقًا مفروضًا في مال زوجتك قل أو كثر. احرص على تلبية مطالب أسرتك فهذا من معالم المسئولية التي ألزمت بها نفسك حين أقدمت على الزواج، وهو من الواجب الذي يسألك عنه الله في الآخرة، والناس في الدنيا.
فوض أمرك لله ، وادفع .. بالتي هي أحسن 
 

الكاتب: د. أحمد محمد عبدالله - أخصائي الطب النفسي - مصر

عدد المشاهدات: 3635
تاريخ المقال: Saturday, September 12, 2009
التعليقات على ادفع بالتي هي أحسن (1)

ام فهدFriday, February 22, 2008

كلام في الصميم لامس جوانب جوهرية وتناول جوانب الموضوع بإيجاز جزاك الله خيرا ولاكنننننننننن من يطبببببببببق؟؟؟؟

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
47184

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

سجل في النشرة الاخبارية في نور الله
أخبار المسلمين الأكثر قراءة
خلال 30 أيام
30 يوم
7 أيام